صار قلم زكريا كذلك ، فسلموا الأمر له ، وهذا قول الأكثرين (١) ، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى : (ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ) (٢) ، والنص القرآني يشير إلى حادث لم يذكره العهد القديم ، ولا العهد الجديد ، المتداولان ، ولكن لا بد أنه كان معروفا عند الأحبار والرهبان ، حادث إلقاء أقلام سدنة الهيكل ، لمعرفة من تكون مريم من نصيبه ، والنص القرآني لا يفصل الحادث ربما اعتمادا على أنه كان معروفا لسامعيه ، أو لأنه لا يزيد شيئا في أصل الحقيقة التي يريد عرضها على الأجيال القادمة (٣).
وهكذا كفل زكريا مريم أم المسيح عليهمالسلام ، بعد وفاة أبيها عمران ، فقد كان زوجا لخالتها ، أو أختها ، كما ورد في الصحيح : «فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا الخالة» ، وقد يطلق على ما ذكره ابن إسحاق وابن جرير من أنه كان زوجا لخالتها ، فعلى هذا كانت في حضانة خالتها ، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قضى في عمارة بنت حمزة أن تكون في حضانة خالتها ، امرأة جعفر بن أبي طالب ، وقال صلىاللهعليهوسلم : «الخالة بمنزلة الأم» (٤) ، وعلى أية حال ، فلقد اتخذ زكريا لمريم محرابا ، والمحراب مقدم كل مسجد ومصلي ، وهو سيد المجالس وأشرفها وأكرمها ، وكذلك هو من المساجد ، أو هو المكان الشريف من المسجد ، لا يدخله عليها أحد سواه ، وقد شاء الله أن يطلعه على كرامة مريم وجليل قدرها ، فكان كلما دخل عليها المحراب وجد عندها رزقا ، وإلى هذا يشير القرآن في قوله تعالى : (وَكَفَّلَها
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٤٥.
(٢) سورة آل عمران : آية ٤٤.
(٣) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٦.
(٤) تفسير ابن كثير ١ / ٥٣٩ (بيروت ١٩٨٦).