الله صلىاللهعليهوسلم وأكل علي وفاطمة وحسن وحسين وجميع أزواج النبي صلىاللهعليهوسلم وأهل بيته حتى شبعوا جميعا ، قالت : وبقيت الجفنة كما هي ، فأوسعت ببقيتها على جميع الجيران ، وجعل الله فيها بركة وخيرا كثيرا (١).
وهكذا نشأت مريم البتول على الطهارة والعبادة والبعد عن الدنس ورذائل الأمور ، قال تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفاكِ عَلى نِساءِ الْعالَمِينَ ، يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ) (٢) ، ويقول الفخر الرازي : (٣) اعلم أن المذكور في هذه الآية : أولا هو الاصطفاء ، وثانيا التطهير ، وثالثا الاصطفاء على نساء العالمين ، ولا يجوز أن يكون الاصطفاء الأول من الاصطفاء الثاني ، لما أن التصريح بالتكرير غير لائق ، فلا بد من صرف الاصطفاء الأول إلى ما اتفق لها من الأمور الحسنة في أول عمرها ، والاصطفاء الثاني إلى ما اتفق لها في آخر عمرها ، ومن النوع الأول من الاصطفاء أمور : أنه تعالى قبل تحريرها ، مع أنها كانت أنثى ، ولم يحصل مثل هذا المعنى لغيرها من الإناث ، وثانيها : قال الحسن البصري : إن أمها لما وضعتها ما غذتها طرفة عين ، بل ألقتها إلى زكريا ، وكان رزقها يأتيها من الجنة ، وثالثها : أنه تعالى فرغها لعبادته وخصها في هذا المعنى بأنواع اللطف والعناية والصحة ، ورابعا : أنه كفاها أمر معيشتها ، فكان رزقها يأتيها من عند الله تعالى على ما قال الله تعالى : (أَنَّى لَكِ هذا قالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللهِ) ، وخامسها : أنه تعالى أسمعها كلام الملائكة شفاها ، ولم يتفق ذلك لأنثى غيرها ، فهذا هو المراد من الاصطفاء الأول ، وأما التطهير ففيه وجوه ، أحدها : أنه تعالى طهرها من الكفر والمعصية ، وثانيها : أنه طهرها عن مسيس الرجال ، وثالثها : طهرها من الحيض ، قالوا كانت
__________________
(١) تفسير ابن كثير ١ / ٥٣٩ ـ ٥٤٠ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٤١.
(٢) سورة آل عمران : آية ٤٢ ـ ٤٣.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٤٣.