مريم لا تحيض ، ورابعها : طهرها من الأفعال الذميمة والعادات القبيحة ، وخامسها : طهرها من مقالة اليهود وتهمتهم وكذبهم ، وأما الاصطفاء الثاني : فالمراد أنه تعالى وهب لها عيسى عليهالسلام من غير أب ، وأنطق عيسى حال انفصاله منها حتى شهد بما يدل على براءتها عن التهمة ، وجعلها وابنها آية للعالمين ، فهذا هو المراد من هذه الألفاظ الثلاثة.
هذا وقد ناقش العلامة الألوسي في تفسيره : «روح المعاني» قضية اصطفاء مريم على نساء العالمين (١) ، وقيل على جميع النساء في سائر الأعصر ، واستدل به على أفضليتها على السيدة فاطمة الزهراء ، وأمها السيدة خديجة ، والسيدة عائشة رضي الله تعالى عنهن ، وأن ذلك بما أخرجه ابن عساكر في أحد الطرق عن ابن عباس أنه قال قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : سيدة نساء أهل الجنة : مريم بنت عمران ثم فاطمة ثم خديجة ثم آسية امرأة فرعون» ، وبما أخرجه ابن جرير عن فاطمة ، صلى الله تعالى على أبيها وعليها وسلم ، أنها قالت : قال لي رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أنت سيدة نساء أهل الجنة إلا مريم البتول».
وأما القول الثاني : فالمراد عالمها ، فلا يلزم منه أفضليتها على فاطمة رضي الله تعالى عنها (٢) ، ويقول ابن كثير : يحتمل أن يكون عالمي زمانها ، كقوله تعالى لموسى : (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ) ، وكقوله عن بني إسرائيل : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) ، ومعلوم أن إبراهيم عليهالسلام أفضل من موسى وأن محمدا صلىاللهعليهوسلم أفضل منهما ، وكذلك هذه الأمة أفضل من سائر الأمم قبلها وأكثر عددا وأفضل علما وأزكى عملا من بني إسرائيل وغيرهم (٣).
__________________
(١) روى الطبري وابن كثير عدة أحاديث شريفة في فضل السيدة مريم (تفسير الطبري ١ / ٢٦٣ ـ ٢٦٤ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٢ ـ ٥٤٤ ، البداية والنهاية ٢ / ٥٩ ـ ٦٣).
(٢) تفسير روح المعاني ٣ / ١٥٥.
(٣) ابن كثير : البداية والنهاية ٢ / ٥٩.