الجنين ونموه واكتماله في فترة وجيزة ، ليس في النص ما يدل على إحدى الحالتين (١) ، ومن ثم فقد اختلف العلماء في مدة حمل مريم بعيسى على وجوه ، الأول : قول ابن عباس أنها كانت تسعة أشهر ، كما في سائر النساء بدليل أن الله تعالى ذكر مدائحها في هذا الموضع ، فلو كانت عادتها في مدة حملها بخلاف عادات النساء لكان ذلك أولى بالذكر ، والثاني : أنها كانت ثمانية أشهر ، ولم يعش مولود وضع لثمانية ، إلا عيسى بن مريم عليهالسلام ، والثالث : قول عطاء وأبي العالية والضحاك سبعة أشهر ، والرابع : أنها كانت ستة أشهر ، والخامس : ثلاث ساعات ، حملته في ساعة ، وصور في ساعة ، ووضعته في ساعة ، والسادس : قول آخر لابن عباس كانت مدة الحمل ساعة واحدة ، ما هي إلا أن حملت فوضعت ، واستدل عليه من وجهين ، أولهما : قوله تعالى : (فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ فَناداها مِنْ تَحْتِها) ، والفاء للتعقيب فدلت هذه الفاءات على أن كل واحدة من هذه الأحوال حصل عقيب الآخر من غير فصل ، وذلك يوجب كون مدة الحمل ساعة واحدة ، لا يقال انتباذها مكانا قصيا كيف يحصل في ساعة واحدة ، لأن السّدى فسرها بأنها ذهبت إلى أقصى موضع في جانب محرابها ، وثانيهما : أن الله تعالى قال في وصف عيسى : (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) ، فثبت أن عيسى كما قاله الله تعالى : (كُنْ فَيَكُونُ) ، وهذا مما لا يتصور فيه مدة الحمل ، وإنما تعقل المدة في حق من يتولد من النطفة (٢) ، وأخيرا فإن «إليان» وأشياعه من النصارى إنما يذهبون إلى أن مريم لم تحبل بعيسى تسعة أشهر ، وإنما مرّ في بطنها كما يمر الماء في الميزاب ، لأن الكلمة دخلت في أذنها ، وخرجت من حيث يخرج الولد من
__________________
(١) في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٦.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٢ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٧٩ ـ ٨٠ وانظر : تفسير الطبري ١٦ / ٦٥ ، تفسير النسفي ٣ / ٣٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٨٨ ـ ١٨٩ ، البداية والنهاية ٢ / ٦٥ ـ ٦٦ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٦.