علماء التوحيد إن النبوة تكون على رأس الأربعين من العمر ، أما عيسى عليهالسلام فقد نبىء على رأس الثلاثين ، وهذه خصوصية له عليهالسلام ، لأنه قد رفع إلى السماء قبل أن يبلغ سن الأربعين (١) ، ويذهب الدكتور الطيب النجار إلى أنه لا بأس من ذلك ، أي أن نبوة المسيح كانت على رأس الثلاثين ، فإن سن الأربعين ليست شرطا لتحديد بدء نبوة الأنبياء ، فلقد أوتي يحيى عليهالسلام العلم والحكمة وهو صبي وبدأت نبوته قبل أن يبلغ الثلاثين (٢).
على أن الدكتور الشريف إنما يحدد ابتداء نبوة المسيح من منطوق الآيات (٢٩ ـ ٣٣ من سورة مريم) يقول تعالى : (فَأَشارَتْ إِلَيْهِ قالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ، قالَ إِنِّي عَبْدُ اللهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا ، وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا ، وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا ، وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا) (٣) ، وظاهر الآيات الكريمة إنما يفيد أن المسيح نبئ وهو في المهد ، ولا غرابة في ذلك ، فالقرآن يقول في شأن يحيى بن زكريا عليهماالسلام : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا) ، هذا فضلا عن اعتراف المسيح في الآية (٣٠ مريم) وهو ما يزال في المهد ، بأن الله جعله نبيا وآتاه الكتاب ، والتعبير بصيغة الماضي في (آتاني وجعلني) ، كل ذلك يرجح أنه بعث في المهد وهو صبي صغير ، ولا حاجة بنا بعدئذ لأن نجاري البعض الذين قالوا إن المسيح نبئ على رأس الثلاثين ، ولا برهان لهم على هذا ، إلا من تكلف من
__________________
(١) محمد علي الصابوني : المرجع السابق ، ص ١٩٨ ، محمد بن الشريف : الأديان في القرآن ، جده ١٩٧٩ ، ص ١٥٧ ، ابن الأثير ١ / ١٧٩.
(٢) محمد الطيب النجار : المرجع السابق ، ص ٢٧٨.
(٣) سورة مريم : آية ٢٩ ـ ٣٣ ، وانظر تفسير الطبري ١٦ / ٧٨ ـ ٨٢ ، تفسير ابن كثير ٣ / ١٩١ ـ ١٩٤ ، تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢٠٧ ـ ٢١٦ ، تفسير روح المعاني ١٦ / ٨٨ ـ ٩١) تفسير النسفي ٣ / ٣٤ ـ ٣٥. في ظلال القرآن ٤ / ٢٣٠٨ ، تفسير القرطبي ص ٤١٤٠ ـ ٤١٤٤.