تمحلات لغوية ، ولا أن نقول كما قال بعض علماء التوحيد إن الرسالة لا تكون إلا بعد الأربعين ، ولا غرو فنحن أمام شخصية جعلها الإعداد الإلهي ، والإعجاز الإلهي لا تسير على سنن العادة ، فعيسى مخلوق غير عادي في مولده وفي مبعثه وفي مماته (١) ، عليه صلوات الله وسلامه.
وجاء في تفسير النسفي : روى عن الحسن أنه كان في المهد نبيّا وكلامه معجزته ، وقيل إن معناه أن ذلك سبق في قضائه أو جعل الآتي لا محالة كأنه وجد (٢) ، ويقول الفخر الرازي : إن قوله : (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) يدل على أن ذلك قد حصل من قبل ، إما ملاصقا لذلك الكلام أو متقدما عليه بأزمان ، والظاهر أنه من قبل أن كلمهم آتاه الله الكتاب وجعله نبيّا ، بالصلاة والزكاة وأن يدعو إلي الله تعالى وإلى دينه وإلى ما خص به من الشريعة ، فقيل هذا الوحي نزل عليه وهو في بطن أمه ، وقيل لما انفصل من الأم آتاه الله الكتاب والنبوة ، وأنه تكلم مع أمه وأخبرها بحاله وأخبرها بأنه يكلمهم بما يدل على براءة حالها ، فلهذا أشارت إليه بالكلام ، ثم يرد الإمام الرازي على من قال إنه نبي ، ولكنه ما كان رسولا ، لأنه في ذلك الوقت ما جاء بالشريعة ، ومعنى كونه نبيّا أنه رفيع القدر على الدرجة ، فيقول إن هذا ضعيف ، لأن النبي في عرف الشرع هو الذي خصّه الله بالنبوة وبالرسالة ، خصوصا إذا قرن إليه ذكر الشرع ، وهو قوله وأوصاني بالصلاة والزكاة (٣).
وأما دليل نبوة المسيح في القرآن الكريم ، فقوله تعالى : (وَيُعَلِّمُهُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَرَسُولاً إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ) (٤) وقوله
__________________
(١) محمود بن الشريف : الأديان في القرآن ص ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٢) تفسير النسفي ٣ / ٣٤.
(٣) تفسير الفخر الرازي ٢١ / ٢١٤.
(٤) سورة آل عمران : آية ٤٨ ـ ٤٩ ، وانظر : تفسير الطبري ٣ / ٢٧٣ ـ ٢٧٥ ، تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٣ ـ ٥٤ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٨ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٥ ـ ٥٤٦ ، تفسير روح المعاني