وأما معجزات المسيح عليهالسلام ، فقد جاءت في عدة آيات من آي الذكر الحكيم (١) ، نذكر منها (أولا) أن الله تعالى يعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل ، فأما «الكتاب» فقد يراد به الكتابة ، وكان عليهالسلام أحسن الناس خطا في زمانه (٢) ، وقد يكون هو التوراة والإنجيل ، وأما «الحكمة» فهي حالة في النفس يتأتى معها وضع الأمور في مواضعها وإدراك الصواب واتباعه ، وهي خير كثير (٣) ، أو هي السنة التي يوحيها الله إليه في غير كتاب ، وأما «التوراة» ، فهو الكتاب الذي أنزله الله على موسى عليهالسلام ، وأما «الإنجيل» فهو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى عليهالسلام ، وقد كان عيسى يحفظ هذا وذاك (٤).
ولعل مما تجدر الإشارة إليه أن التوراة إنما كانت كتاب عيسى كالإنجيل ، فهي أساس الدين الذي جاء به ، والإنجيل تكملة وإحياء لروح التوراة ، ولروح الدين التي طمست في قلوب بني إسرائيل ، وهذا ما يخطئ الكثيرون من المتحدثين عن المسيحية فيه فيغفلون التوراة ، وهي قاعدة دين المسيح عليهالسلام ، وفيها الشريعة التي يقوم عليها نظام المجتمع ، ولم يعدل فيها الإنجيل إلا القليل (٥) ، ومن ثم فإن الله تعالى يقول على لسان المسيح : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَأَطِيعُونِ) (٦) ، يقول ابن كثير : وفيه دلالة على أن عيسى عليهالسلام نسخ بعض شريعة التوراة ، وهو الصحيح ،
__________________
(١) أنظر : سورة آل عمران : آية ٤٧ ـ ٥٠ ، المائدة : آية ١١٠ ـ ١١٥ ، مريم : آية ٢٩ ـ ٣٣.
(٢) تفسير النسفي ١ / ١٥٨.
(٣) تفسير الظلال ١ / ٣٩٩.
(٤) تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٦.
(٥) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٩.
(٦) سورة آل عمران : آية ٥٠.