أنفسهم شرائع باطلة ونسبوها إلى موسى ، فجاء عيسى ورفعها وأبطلها ، وأعاد الأمر إلى ما كان في زمن موسى عليهالسلام ، وثانيهما : أن الله تعالى كان قد حرم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم على بعض ما صدر عنهم من الجنايات ، كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) ، ثم بقي هذا التحريم حتى جاء عيسى عليهالسلام ، ورفع تلك التشديدات عنهم ، وقال آخرون : إن عيسى رفع كثيرا من أحكام التوراة ، ولم يكن ذلك قادحا في كونه مصدقا بالتوراة على ما بيناه ، ورفع السبت ووضع الأحد قائما مقامه ، وكان محقا في كل ما عمل لأن الناسخ والمنسوخ كلاهما حق وصدق (١).
ومن ثم فإن قوله تعالى : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) ، إنما يكشف عن طبيعة المسيحية الحقة ، فالتوراة التي تنزلت على موسى ، وهي تتضمن التشريع المنظم لحياة الجماعة وفق حاجة ذلك الزمان ، وملابسات حياة بني إسرائيل (بما أنها ديانة خاصة لمجموعة من البشر في فترة من الزمان) هذه التوراة معتمدة في رسالة المسيح عليهالسلام وجاءت رسالته مصدقة لها ، مع تعديلات تتعلق بإحلال بعض ما حرم الله عليهم ، وكان تحريمه في صورة عقوبات حلت بهم على معاص وانحرافات ، أدبهم الله عليها بتحريم بعض ما كان حلالا لهم ، ثم شاءت إرادته أن يرحمهم بالمسيح عليهالسلام فيحل لهم بعض الذي حرم عليهم (٢) ، أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الربيع أنه قال : كان الذي جاء به عيسى ألين مما جاء به موسى عليهماالسلام ، وكان فيما حرم عليهم فيما جاء به موسى ، لحوم الإبل والثروب فأحلها لهم على لسان عيسى ،
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٩.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٤٠٠.