يجعل الواحد ألفا ، فثبت أن لو كانت هذه الواقعة موجودة لكان النصارى أولى الناس بمعرفتها ، ولما أطبقوا على إنكارها ، علمنا أنه ما كان موجود البتة.
ورد المتكلمون عليهم بأن كلام عيسى عليهالسلام في المهد إنما كان للدلالة على براءة مريم عليهاالسلام من الفاحشة ، وكان الحاضرون جمعا قليلين ، فالسامعون لذلك الكلام كان جمعا قليلا ، ولا يبعد في مثله التواطؤ على الإخفاء ، وبتقدير أن يذكروا ذلك ، إلا أن اليهود كانوا يكذبونهم في ذلك وينسبونهم إلى البهت ، فهم أيضا سكتوا لهذه العلة ، فلأجل هذه الأسباب بقي الأمر مكتوما إلى أن أخبر الله تعالى نبيّه محمد صلىاللهعليهوسلم بذلك ، وأيضا فليس كل النصارى ينكرون ذلك ، فإنه نقل عن جعفر بن أبي طالب ، رضي الله تعالى عنه : لما قرأ علي النجاشي سورة مريم ، قال النجاشي : لا تفاوت بين واقعة عيسى ، وبين المذكور في هذا الكلام ، بذرة (١).
ومنها (ثالثا) شفاء المرضى وإبراء الأكمة وإحياء الموتى والإخبار عن بعض المغيبات ، قال تعالى ، على لسان المسيح : (أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ، أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللهِ ، وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (٢) ، ولعل من الأهمية بمكان ، وقبل الحديث عن هذه الخوارق المعجزة ، الإشارة إلى أنه في هذه الآية (آل عمران ٤٩) وفي آية المائدة (١١٠) أن النص القرآني الكريم يذكر ، على لسان المسيح ، أن كل خارقة من هذه الخوارق التي جاءهم بها ، إنما جاءهم بها من عند الله تعالى ، كما حرص النص على ذكر
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٢ ـ ٥٣ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٦٣.
(٢) سورة آل عمران : آية ٤٩.