الله بكل واحدة منها تفصيلا وتحديدا ، ولم يدع القول يتم حتى يذكر في نهايته إذن الله زيادة في الاحتياط ، وهذه المعجزات في عمومها تتعلق بإنشاء الحياة أوردها ، أورد العافية وهي فرع عن الحياة ، ورؤية غيب بعيد عن مدى الرؤية ، وهي في صميمها تتسق مع مولد عيسى ومنهج الوجود والحياة على غير مثال ، إلا مثال آدم عليهالسلام ، وإذا كان الله قادرا على أن يجري هذه المعجزات على يد واحد من خلقه ، فهو قادر على خلق ذلك الواحد من غير مثال ، ولا حاجة إذن لكل الشبهات والأساطير التي نشأت عن هذا المولد الخاص ، متى رد الأمر إلى مشيئة الله الطليقة ، ولم يقيد الإنسان الله ، سبحانه وتعالى ، بمألوف الإنسان (١).
وأما هذه المعجزات التي جاءت في هذه الآية وفي غيرها فهي : ـ
أولا : كان المسيح يخلق من الطين كهيئة الطير فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله تعالى : ـ
والمراد بالخلق هنا ، فيما يرى صاحب روح المعاني ، التصوير والإبراز على مقدار معين ، لا الإيجاد من العدم ، والمعنى أنني أقدر ، لأجل تحصيل إيمانكم ودفع تكذيبكم إياي ، أن اجعل من الطين شيئا مثل الطير المهيأ أو هيئة كائنة كهيئته ، فأنفخ فيه فيكون طيرا حيا طيارا كسائر الطيور ، وفي تفسير النسفي أي أقدر لكم شيئا مثل صورة الطير ، أي في ذلك الشيء المماثل لهيئة الطير ، فيصير طيرا كسائر الطيور ، وفي التفسير الكبير : أي أقدر وأصور ، فالخلق هو التقدير والتصوير ، وذلك لأن العبد لا يكون خالقا بمعنى التكوين والإبداع ، فوجب تفسير كونه خالقا بالتقدير والتسوية ، وهكذا كان المسيح عليهالسلام يصور من الطين شكل ، طير ، ثم ينفخ فيه فيطير عيانا بإذن الله عزوجل ، الذي جعل هذا معجزة له ، تدل على أنه تعالى
__________________
(١) في ظلال القرآن ١ / ٣٩٩.