أرسله ، ومن ثم فقد جوّز بعض المفسرين أن يقال : إنه تعالى أودع في نفس عيسى عليهالسلام خاصية بحيث متى نفخ في شيء ، كان نفخه فيه موجبا لصيرورة ذلك الشيء حيا ، أو يقال ليس الأمر كذلك ، بل الله تعالى كان يخلق الحياة في ذلك الجسم بقدرته عند نفخه عيسى عليهالسلام فيه على سبيل إظهار المعجزات ، وهذا القول الثاني هو الحق لقوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ) ، وحكى عن إبراهيم عليهالسلام إنه قال في مناظرته مع الملك (رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ) ، فلو حصل لغيره هذه الصفة ، لبطل ذلك الاستدلال.
وأظهر المعجزات أنهم أخذوا يتعنتون عليه وطالبوه بخلق خفاش ، فأخذ طينا وصوره ، ثم نفخ فيه ، فإذا هو يطير بين السماء والأرض ، قال وهب : كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه ، فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ، ثم اختلف الناس فقال قوم لم يخلق غير الخفاش ، وقال آخرون : إنه خلق أنواعا من الطير (١).
ثانيا : إبراء الأكمة والأبرص بإذن الله تعالى : ـ
وقد اختلف العلماء في معنى الأكمة ، فمن قائل إنه الذي ولد أعمى ، وكما روى عن ابن عباس وقتادة : كنا نتحدث أن الأكمة الذي ولد وهو أعمى مضموم العينين ، وقال الخليل وغيره : هو الذي عمى بعد أن كان بصيرا ، وأخرج ابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس : أنه الممسوح العين الذي لم يشق بصره ، ولم يخلق له حدقة ، قيل : ولم يكن في صدر هذه الأمة أكمه بهذا المعنى ، غير قتادة بن دعامة السدوسي صاحب التفسير ، وعن
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٥٦ ، تفسير روح المعاني ٣ / ١٦٨ ، تفسير النسفي ١ / ١٥٩ ، تفسير ابن كثير ١ / ٥٤٦ ، تفسير الطبري ٣ / ٢٧٥ ، الكامل لابن الأثير ١ / ١٧٩ ، تفسير القرطبي ص ١٣٣٥ ـ ١٣٣٦ ، تفسير المنار ٣ / ٢٥٥ ـ ٢٥٧.