الأموات ، كما يدعي النصارى ، وإنما كانت الواقعة تدور في فلك يهوذا الأسخريوطي ، أحد تلاميذ المسيح الاثني عشر ، الذي أراد الله له تنكيلا جزاء خيانته ، ورفع نبيه المسيح إليه ، ومن ثم فالذي صلب ، كما حققه برنابا ، أحد الحواريين ، إنما هو يهوذا ، شبيه المسيح ، وليس المسيح ذاته (١) ، وأما الأمر الثاني ، فهو نبوءة المسيح بالنبي الخاتم ، سيدنا محمد صلىاللهعليهوسلم وأنه هو الذي سيكشف خدعة الصلب للمؤمنين بشريعة الله وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك في سورتي آل عمران (٥٥) والنساء (١٥٧ ـ ١٥٨) (٢).
وأما الإسلام فيقرر في وضوح وتأكيد ، كما أشرنا آنفا ، أن المسيح لم يقتل ولم يصلب ، وإنما رفعه الله إليه ، قال تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، وقد اختلف علماء المسلمين في معنى الوفاة والرفع والتطهير ، وقد ساق الأستاذ عبد الوهاب النجار في كتابه «قصص الأنبياء» عدة آراء لعديد من المفسرين بلغت تسعا (٣) ، ثم اختار منها أوجهها إليه ، وهو أن المراد في قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) هو أني مستوف أجلك ومميتك حتف أنفك ، لا أسلط عليك من يقتلك ، وأن الآية كناية عن عصمته من الأعداء ، ثم تساءل : أين مكان عيسى ، وما الذي آل إليه أمره؟ وأجاب عن ذلك : أن الله تعالى أبهم أمره علينا ولم يقصه ، فنحن نفوض العلم بذلك إلى الله تعالى ، فليكن أنه أماته في الأرض ، أو أنامه كما أنام أهل الكهف ، أو أصعده إلى السماء ، لا نقطع بشيء من هذه الأشياء بعينه ،
__________________
(١) انظر : بعض الروايات العربية عن الموضوع (تفسير ابن كثير ١ / ٨٧٣ ـ ٨٧٦).
(٢) إبراهيم خليل أحمد : محمد صلىاللهعليهوسلم في التوراة والإنجيل والقرآن ـ الطبعة الخامسة ـ القاهرة ١٩٨٣ ص ٢١٨ ـ ٢٢٠.
(٣) هذه الأوجه هي : (١) المعنى رافعك إلي ومتوفيك وأن الكلام فيه تقديم وتأخير. (٢) المراد أني ـ