بل نبهمه كما أبهمه الله تعالى ، ومن أراد أن يقطع فعليه دليل ما قطع به ، وتفويض العلم إلى الله تعالى أسلم في العاقبة ، وأكثر احتياطا للدين ، فليس بهين أن يشهد المرء على الله بأمر لم يشهد به على نفسه ، وليس عنده عليه سلطان مبين (١).
ويقول صاحب الظلال : لقد أراد اليهود صلب عيسى عليهالسلام وقتله ، وأراد الله أن يتوفاه ، وأن يرفعه إليه ، وأن يطهره من مخالفة الذين كفروا والبقاء بينهم ، وهم رجس ودنس ، (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، فأما كيف كانت وفاته ، وكيف كان رفعه ، فهي أمور غيبية تدخل في المتشابهات التي لا يعلم تأويلها إلا الله ، ولا طائل وراء البحث فيها ، لا في عقيدة ولا في شريعة ، والذين يجرون وراءها ، ويجعلونها مادة للجدل ينتهي بهم الحال إلى المراء وإلى التخليط وإلى التعقيد ، دونما جزم بحقيقة ، ودون ما راحة بال في أمر موكول إلى علم الله (٢).
وعلى أي حال ، وكما يقول الأستاذ الإمام محمد عبده في تفسير
__________________
ـ مستوفيك أجلك ومميتك حتف أنفك لا أسلط عليك من يقتلك ، فالكلام كتابة عن عصمته من الأعداء ، وما هم بصدده من الفتك به عليهالسلام ، لأنه يلزم من استيفاء الله أجله موته حتف أنفه.
(٣) المراد قابضك ومستوف شخصك من الأرض ومن توفي المال بمعنى استوفاه وقبضه. (٤) المراد بالوفاة هنا النوم ، لأن النوم والوفاة ، يطلق على كل منهما على الآخر ، وقد روي عن الربيع أن الله تعالى رفع عيسى عليهالسلام وهم نائم رفقا. (٥) أجلك كالمتوفي لأنه بالرفع أشبه. (٦) المراد آخذك وافيا بروحك وبدنك فيكون (وَرافِعُكَ إِلَيَ) كالمفسر لما قبله. (٧) المراد بالوفاة موت القوى الشهوانية العائقة عن اتصاله بالملكوت. (٨) أن المراد مستقبل عملك! قال الألوسي : لا يخلو أكثر هذه الأوجه من بعد ، ولا سيما الأخير. (٩) أخرج ابن جرير عن وهب أنه قال : توفى الله عيسى ابن مريم ثلاث ساعات من النهار حتى رفعه إليه ، وفي رواية للحاكم عنه : أنه توفاه سبع ساعات ثم أحياه (عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ص ٤٢٣).
(١) عبد الوهاب النجار : قصص الأنبياء ص ٤٢٣.
(٢) في ظلال القرآن ١ / ٤٠٣.