الزبور ، قال تعالى : (وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) (١) ، وقال تعالى : (وَسَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ وَكُنَّا فاعِلِينَ) (٢) ، ويقول المفسرون عن هذه الآية إن الله تعالى قد وهب داود من الصوت ما لم يهبه لأحد ، حتى أنه كان إذا ترنم بقراءة كتابه الزبور يقف الطير في الهواء يرجع بترجيعه ، ويسبح بتسبيحه ، وكذا الجبال تجيبه وتسبح معه كلما سبح بكرة وعشيا ، وفي الصحيح أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم سمع صوت أبي موسى الأشعري يقرأ من الليل ، فوقف فاستمع لقراءته ثم قال صلىاللهعليهوسلم : «لقد أوتي هذا مزمارا من مزامير آل داود» (٣).
ويقول الأستاذ سيد قطب ، طيب الله ثراه كان داود عليهالسلام أوابا رجاعا إلى ربه بالطاعة والعبادة والذكر والاستغفار ، وقد آتاه الله من فضله مع النبوة والملك ، قلبا ذاكرا ، وصوتا رخيما يرجع به تراتيله التي يمجد فيها ربه ، وبلغ من قوة استغراقه في الذكرى ، ومن حسن حظه في الترتيل ، أن تزول الحواجز بين كيانه وكيان هذا الكون ، وتتصل حقيقته بحقيقة الجبال والطير في صلتها كلها ببارئها ، وتمجيدها له وعبادتها ، فإذا الجبال تسبح معه ، وإذا الطير مجموعة عليه ، تسبح معه لو ملاها ومولاه (إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْراقِ ، وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ) ، ولقد يقف الناس مدهوشين أمام هذا النبأ : الجبال الجامدة تسبح مع داود بالعشى والإشراق ، حينما يخلو إلى ربه يرتل تراتيله في تمجيده وذكره ، والطير تتجمع على نغماته لتسمع له وترجع معه أناشيده ، لقد يقف الناس مدهوشين للنبإ ، إذ يخالف مألوفهم ، ويخالف ما اعتادوا أن يحسوه من العزلة بين
__________________
(١) سورة ص آية : ١٩.
(٢) سورة الأنبياء آية : ٧٩.
(٣) صحيح البخاري : ٩ / ٢٤١ ، صحيح مسلم : ٢ / ١٩٢.