ويقرر الأستاذ الإمام محمود شلتوت في الفتاوي أن معنى قوله تعالى : (يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) أي مميتك إماتة عادية ، إذ المعنى اللغوي الوضعي والمعنى القرآني لكلمة «متوفيك» إنما هو مميتك إماتة عادية (١) ، ومن قال إن عيسى حيّ في السماء ، فذلك ادعاء وزعم منه ، كما قرر أن معنى الرفع في «ورافعك إلي» ، رفع مكانة ، لا رفع جسد ، بدليل التعقيب الذي جاء بجانب الرفع ، وهو قوله تعالى : (وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ، مما يدل على أن الأمر أمر تشريف وتكريم ، ويؤيد ذلك أن الرفع جاء في القرآن كثيرا بهذا المعنى (في بيوت أذن الله أن ترفع ـ نرفع درجات من نشاء ـ ورفعنا لك ذكرك ـ ورفعناه مكانا ـ يرفع الله الذين آمنوا ... إلخ) ، ومن ثم فقد حكم بأن التعبير بقوله تعالى : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) ، «بل رفعه الله إليه» ، كالتعبير في قولهم : «لحق فلان بالرفيق الأعلى» وفي «أن الله معنا» وفي «عند مليك مقتدر» ، وكلها لا يفهم منها سوى معنى الرعاية والحفظ ، والدخول في الكنف المقدس ، فمن يؤخذ كلمة «السماء» من كلمة «إليه» ، اللهم إن هذا الظلم للتعبير القرآني الواضح ، خضوعا لقصص وروايات لم يقم على الظن بها ، فضلا عن اليقين ، برهان ولا شبه برهان.
ثم يذهب الأستاذ شلتوت بعد ذلك إلى أنه ليس في القرآن ولا في السنة المطهرة (٢) ، مستند يصلح لتكوين عقيدة يطمئن إليها القلب بأن عيسى رفع بجسمه إلى السماء ، وأنه حيّ إلى الآن فيها ، وأنه سينزل منها آخر الزمان ، وأن كل ما تفيده الآيات الواردة في هذا الشأن هو وعد الله عيسى أنه متوفيه أجله ورافعه إليه ، وعاصمه من الذين كفروا ، وأن هذا الوعد قد تحقق فلم يقتله أعداؤه ولم يصلبوه ، ولكن وفاه الله أجله ورفعه إليه ، وأن من أنكر أن عيسى قد رفع بجسمه إلى السماء وأنه حيّ إلى الآن ، وأنه سينزل آخر
__________________
(١) روى عن الجبائي : أن عيسى مات ثم رفع إلى السماء بعد ذلك (روح المعاني ٧ / ٦٩).
(٢) أنظر : ما سبق أن ذكرناه من الأحاديث النبوة الشريفة.