بنص من القرآن أو بحديث متواتر ، وعلى ذلك فلا يجب على المسلم أن يعتقد أن عيسى عليهالسلام حيّ بروحه وجسده ، والذي يخالف في ذلك لا يعد كافرا في نظر الشريعة الإسلامية (١) ، والأئمة المجتهدون الذي اتجهوا هذا الاتجاه كلهم قد استقوا من معين واحد ، واستمدوا رأيهم من رأي الإمام الرازي الذي قال : واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله : (وَرافِعُكَ إِلَيَ) هو الرفعة بالدرجة والمنقبة ، لا بالمكان والجهة ، كما أن الفوقية في هذه ليست بالمكان ، بل بالدرجة والرفعة (٢).
وأما النصارى ، فقد جعلوا خاتمة المسيح عليهالسلام ، كما يقول الأستاذ رشيد رضا ، خاتمة شنيعة ، ومأساة مروعة ، وجعلوا الاعتقاد بحصولها على الوجه الذي صوروه أصلا من أصول دينهم ، ودعامة من دعائم عقيدتهم ، لا يقبل من مؤمن إيمانه إلا بها ، وهي الاعتقاد بصلب المسيح ، وقد تلمسوا لتلك العقيدة أصلا في العهد القديم ، وأسسوا عليه صلب المسيح ، فقالوا : إن آدم ، وهو أول كل البشر ، قد عصي الله تعالى بالأكل من الشجرة التي نهاه عن الأكل منها ، فصار خاطئا ، وصار جميع ذريته خطاه مستحقين للعقاب في الآخرة بالهلاك الأبدي ، وقد جاء جميع أبناء آدم خطاة مذنبين ، فهم يحملون وزر ذنوبهم ، ووزر ذنب أبيهم ، ولما كان الله من صفاته العدل والرحمة ، فمن عدله ألا يترك الجريمة دون عقاب ، وإلا لم يكن عادلا ، ولهذا شاء الله أن يحمل ابنه ، الذي هو بنفسه (الله) في رحم امرأة من ذرية آدم ، ويتجسد حنينا في رحمها ويولد منها ، فيكون ولدها «إنسانا» كاملا من حيث أنه ابن لتلك المرأة ، و «إلها» كاملا ، من حيث أنه ابن الله ، ويكون معصوما من جميع المعاصي ، ثم بعد أن يعيش كما يعيش
__________________
(١) نفس المرجع السابق ص ٢٠٩ ـ ٢١٠.
(٢) تفسير الفخر الرازي ٨ / ٦٩.