ذلك على قدرة الله ، قال قتادة : فكان أول من عمل الدروع من زرد ، وإنما كانت قبل ذلك من صفائح ، وفي سياق الآية العاشرة من سورة سبأ ، التي ابتدأها الله تعالى بقوله : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ مِنَّا فَضْلاً) ، ثم ذكر في آخرها (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ) ، ما يشعر بأن الله تعالى قد ألان الحديد تفضلا منه وكرما ، وآية على الإعجاز من الآيات التي يمنحها الله لأنبيائه ، ولو أن إلانة الحديد بالنار ، كما يقع للناس جميعا ، لما ذكرها الله في سياق الامتنان على داود ، ولما جعلها الله نعمة يختصه بها ، وقد يقال إنه أول من اهتدى إلى أثر النار في إلانة الحديد ، ولم يكن ذلك معروفا قبل داود ، فكان هذا من نعم الله على داود أولا ، ثم أصبح من سنن الطبيعة ثانيا أو بعد ذلك ، ولكننا لا نذهب كما يقول الدكتور النجار ، لمثل هذا المذهب ما دام فضل الله على أنبيائه بالمعجزات الخارقة أمرا مقررا لهم ، وواجبا في حقهم (١).
ومن ثم يذهب العلامة سيد قطب إلى أنه في ظل هذا السياق يبدو أن الأمر كان خارقة ليست من مألوف البشر ، فلم يكن الأمر أمر تسخين الحديد حتى يلين ويصبح قابلا للطرق ، إنما كان والله أعلم معجزة يلين بها الحديد من غير وسيلة اللين المعهودة ، وإن كان مجرد الهداية لإلانة الحديد بالتسخين يعد فضلا من الله يذكر ، ولكننا إنما نتأثر بجو السياق وظلاله ، وهو جو معجزات ، وهي ظلال خوارق خارقة على المألوف ، ثم يقول تعالى : (أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ) والسابغات الدروع ، روى أنها كانت تعمل قبل داود عليهالسلام صفائح ، الدرع صفيحة واحدة فكانت تصلب الجسم وتثقله ، فألهم الله داود أن يصنعها رقائق متداخلة متموجة لينة يسهل تشكيلها وتحريكها بحركة الجسم ، وأمر بتضيق تداخل هذه الرقائق لتكون
__________________
(١) تفسير ابن كثير : ٣ / ٨٣٨ ـ ٨٣٩ ، تفسير الفخر الرازي : ٢٥ / ٢٤٥ ، تفسير النسفي : ٣ / ٣١٩ ـ ٣٢٠ ، تفسير القرطبي : ١٤ / ٢٦٦ ، محمد الطيب النجار تاريخ الأنبياء في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية ـ الرياض ١٩٨٣ ص : ٢٣٤ ـ ٢٣٥.