وَعَزَّنِي فِي الْخِطابِ ، قالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ الْخُلَطاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَقَلِيلٌ ما هُمْ ، وَظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ راكِعاً وَأَنابَ ، فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) (١).
وتفسير الآيات الكريمة أن رجلين يمتلك أحدهما تسعا وتسعين نعجة ، ويمتلك الآخر نعجة واحدة ، وقد نازعه فيها صاحب التسع والتسعين ، وقد دخل الخصمان على داود من غير المدخل المعتاد ، فقد دخلا عليه من فوق الجدران ، وهي طريقة توحي في أعراف الناس بشر يقع من هذا التسوّر ، فما يتسوّر المحراب هكذا مؤمن ولا أمين ، كما أن دخولهما كان في غير وقت جلوسه للحكم ، وإنما في وقت خلوته إلى نفسه ، واعتزال مجتمعه وأمته في هذا اليوم ، إرضاء لرغبة نفسه في حبه لعبادة ربه ، فقد كان داود يخصص بعض وقته للتصرف في شئون الملك ، وللقضاء بين الناس ، ويخصص البعض الآخر للخلوة والعبادة وترتيل أناشيده تسبيحا لله في المحراب ، وكان إذا دخل المحراب للعبادة والخلوة لم يدخل إليه أحد حتى يخرج هو إلى الناس ، روى عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن البصري قال : إن داود جزأ الدهر أربعة أجزاء ، يوما لنسائه ، ويوما للعبادة ، ويوما للقضاء بين بني إسرائيل ، ويوما لبني إسرائيل ، وروى نحوه عن السّدي فيما أخرجه الحكم في المستدرك والطبري في التفسير (٢).
ومن ثم فقد فزع داود من الخصمين ظنا منه أنهما يريدان به شرا ، فلما
__________________
(١) سورة ص آية : ٢١ ـ ٢٥.
(٢) انظر تفسير الطبري : ٢٣ / ١٤٧ ـ ١٤٨ ، تفسير الدر المنثور : ٥ / ٣٠١ ، تفسير الظلال : ٥ / ٣٠١٨ ، المستدرك للحاكم : ٢ / ٥٨٦ ، تاريخ الطبري : ١ / ٤٨٢ ، عويد المطرفي المرجع السابق ص : ٥٢ ـ ٥٣.