ظهر أنهما جاءا من خصومة ليحكم بينهما فيها ، استغفر ربه من هذا الظن وخر ساجدا منيبا إلى الله تعالى ، فغفر الله له ذلك الظن ، لأنه ما كان ينبغي من مثله وكما هو معلوم حسنات الأبرار سيئات المقربين ، وربما كان استغفاره لأن انقطاعه للعبادة يوما كاملا عن أمته ، واختلاءه بنفسه ذلك اليوم كله ، يؤدي حتما تركه النظر في ذلك اليوم في أمر رعيته وأمته التي استودعه لله عزوجل رعاية مصالحها ، فجاءه مثال من حاجتها إليه في كل وقت ليقوم بإصلاح ذات بينها ، وإقرار التراحم والتآخي بين أفرادها حتى يكونوا على هدى من ربهم ، كما يدل على ذلك قول الخصمين له «واهدنا إلى سواء الصراط» ثم بيّن الله تعالى لداود عليهالسلام مهمته في هذه الحياة الدنيا ، باعتباره ملكا على بني إسرائيل ، ونبيّا مرسلا ، إذ الملك يقتضي خلافته لله تعالى في الأرض بالنظر في مصالح رعيته والحكم بينهم بالعدل ، وفصل قضاياهم بما يرفع الظلم والبغي عن ضعفائهم ، إذا حاوله كبراؤهم وأقوياؤهم (١) ، وذلك لا يتم على الوجه المطلوب إلا إذا وضع نفسه قريبا منهم في كل آن ، قال تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ ، إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) (٢) ، فأخبره أنه جعله خليفة في الأرض وأمره بالحكم بين الناس والفصل في قضاياهم بالحق ، والنبوة تعود الملك وتحرسه عن أن تندبه مطالب الدنيا عن سبيل الحق والعدل ، وتسلك به مسالك الطهر والتزام الهدى (٣).
على أن رواية أخرى تذهب إلى أن الخطأ الذي وقع من داود أنه سمع
__________________
(١) جاء في بعض الآثار «السلطان ظل الله في أرضه» ، وقال الخليفة عثمان بن عفان : «إن الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن» البداية والنهاية : ٢ / ١٠.
(٢) سورة ص آية : ٢٦.
(٣) عويد المطرفي المرجع السابق ص : ٥٣ ـ ٥٤.