أحد الخصمين وهو صاحب النعجة الواحدة ، ولم يسمع حجة الخصم الآخر وهو صاحب التسع والتسعين نعجة ، وتسرع من أجل ذلك في الحكم دون أن يمعن النظر ويرى حجة الخصم الآخر ، ومن أجل ذلك استغفر ربه من هذا الخطأ الذي وقع فيه نتيجة السهو ، وهو خطأ لا يتنافى مع العصمة (١) ، ولعل عذر داود عليهالسلام ، أن القضية كما عرضها أحد الخصمين تحمل ظلما صارخا مثيرا لا يحتمل التأويل ، ومن ثم اندفع داود يقضي على أثر سماعه لهذه المظلمة الصارخة ، ولم يوجه إلى الخصم الآخر حديثا ، ولم يطلب إليه بيانا ، ولم يسمع له حجة ، ولكنه مضى يحكم «قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغي بعضهم على بعض ، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم» ، ويبدو أنه عند هذه المرحلة اختفى عنه الرجلان فقد كانا ملكين جاء للامتحان امتحان النبي الملك الذي ولاه الله أمر الناس ليقضي بينهم بالحق والعدل ، وليتبين الحق قبل إصدار الحكم ، وقد اختارا أن يعرضا عليه القضية في صورة صارخة مثيرة ، ولكن القاضي عليه ألا يستثار ، وعليه ألا يتعجل ، وعليه ألا يأخذ بظاهر قول واحد قبل أن يمنح الآخر فرصة للإدلاء بقوله وحجته ، فقد يتغير وجه المسألة كله أو بعضه ، وينكشف أن ذلك الظاهر كان خادعا أو كاذبا أو ناقضا ، وعند هذا تنبه داود إلى أنه الابتلاء ، «وظن داود إنما فتناه» ، وهنا أدركته طبيعته إنه أواب «فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب» (٢).
على أن بعض كتب التفسير قد خاضت مع الإسرائيليات حول هذه الفتنة خوضا كبيرا تتنزه عنه طبيعة النبوة ، ولا يتفق إطلاقا مع حقيقتها ، حتى الروايات التي حاولت تخفيف تلك الأساطير سارت معها شوطا ، وهي لا
__________________
(١) محمد الطيب النجار المرجع السابق ص : ٣٩.
(٢) في ظلال القرآن : ٥ / ٣٠١٨.