تصلح للنظر من الأساس ، ولا تتفق مع قول الله تعالى : (وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَحُسْنَ مَآبٍ) ، كما أن التعقيب القرآني الذي جاء بعد القصة يكشف كذلك عن طبيعة الفتنة ، ويحدد التوجيه المقصود بها من الله لعبده الذي ولاه القضاء والحكم بين الناس (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) ، فهي الخلافة في الأرض ، والحكم بين الناس وعدم اتباع الهوى ، واتباع الهوى ، فيما يختص بنبي ، هو السير مع الانفعال الأول ، وعدم التريث والتثبت والتبيّن مما ينتهي إلى الاستطراد فيه إلى الضلال ، أما عقب الآية المصور لعاقبة الضلال فهو حكم عام مطلق على نتائج الضلال عن سبيل الله ، وهو نسيان الله والتعرض للعذاب الشديد يوم الحساب (١).
على أن بعض المفسرين والمؤرخين قد أسرفوا على أنفسهم ، فذهبوا إلى أن هذين الخصمين اللذين تسوّرا المحراب على داود عليهالسلام ، إنما هما ملكان أرسلهما الله تعالى إليه لينتبه إلى خطئه من محاولة ضم امرأة «أوريا» إليه ، وعنده تسع وتسعون امرأة ، ومن ثم فهم يرون أن أهل زمان داود عليهالسلام كان يسأل بعضهم بعضا أن ينزل له عن امرأته فتزوجها إذا أعجبته ، وكان لهم عادة في المواساة بذلك ، وكان الأنصار يواسون المهاجرين بمثل ذلك ، فاتفق أن داود عليهالسلام وقعت عينه على امرأة أوريا فأحبها فسأله النزول له عنها ، فاستحى أن يرده ففعل فتزوجها ، وهي أم سليمان ، فقيل له إنك ، مع عظم منزلتك وكثرة نسائك ، لم يكن ينبغي لك أن تسأل رجلا ليس له إلا امرأة واحدة النزول عنها لك ، بل كان الواجب عليك مغالبة هواك وقهر نفسك والصبر على ما امتحنت به ، على أن رواية
__________________
(١) في ظلال القرآن ٥ / ٣٠١٨.