كان يسعى لقتله ، بعد أن تمكن منه مرات ، وفي أمان مطلق ، ومناعة تامة (١) ، ومن ثم يذهب «ول ديورانت» طبقا لأوصاف التوراة هذه لداود ، إلى أن ذلك وصف رجل حقيقي ، لا رجل خيالي ، اكتملت فيه عناصر الرجولة المختلفة ، ينطوي على جميع بقايا الهمجية ، وعلى كل مقومات الحضارة (٢).
وبدهي أن هذا ليس رأينا ، ولم ولن يكون ، فحاشا النبي الأواب أن يكون هكذا ، ولكنه رأى توراة اليهود المتداولة اليوم ، ذلك لأن داود عليهالسلام ، فيما نعتقد ونؤمن به الإيمان كل الإيمان ، هو نبيّ الله ورسوله الكريم ، قبل أن يكون ملك اليهود القدير ، ومن ثم فنحن لا نرضى للنبيّ الكريم ، إلا ما ارتضاه له رب العزة والجلال في كتابه الكريم ، وقد أشرنا إليه من قبل ، ولكننا نقدم هذه الصورة ليعرف القارئ الكريم ، رأى التوراة ، كتاب اليهود المقدس ، حتى في أنبياء بني إسرائيل وملوكهم ، ولأننا ندرس حياة داود الملك النبي ذلك لأننا نقدم هنا دراسة تاريخية دينية ، وليس من شك في أن الجانب التاريخي ، وليس الديني ، إنما يعتمد على التوراة ، كواحد من مصادر تاريخ الملك داود ، وليس النبي داود ، ومع ذلك ، فإننا إن اتفقنا معها في بعض الأمور ، فإننا نختلف معها في الكثير من هذه الأمور ، وبخاصة فيما يتعلق بالأنبياء وعصمتهم ، تلك الصفوة المختارة من عباد الله الذين بعثوا بأمر من ربهم هداة راشدين ، واختارهم الله سبحانه وتعالى ، مبشرين ومنذرين ، واصطفاهم من خلقه ، وصدق الله حيث يقول : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) (٣) ، هذا فضلا عن اختلافنا مع توراة يهود فيما
__________________
(١) صموئيل أول ٢٤ / ٢ ـ ٢٢.
(٢) ول ديورانت : قصة الحضارة ٢ / ٣٣١ ـ ٣٣٢ (القاهرة ١٩٦١) ، نجيب ميخائيل : المرجع السابق ص ٣٦٢ ـ ٣٧٣ ، محمد بيومي مهران : إسرائيل ٢ / ٦٩٣ ـ ٦٩٧.
(٣) سورة الأنعام : آية ١٢٤.