أشرنا من قبل أن النبوة لا تكون بالإرث ، فولد النبي لا يكون نبيّا بطريق الإرث عن أبيه ، بل هي بمحض الفضل الإلهي والاصطفاء الرباني (١) ، ويقول صاحب الظلال : أن داود أوتى الملك مع النبوة والعلم ، ولكن الملك لا يذكر في صدد الحديث عن نعمة الله عليه وعلى سليمان ، إنما يذكر العلم ، لأن الملك أصغر من أن يذكر في هذا المجال ، ومن ثم فالمفهوم في الوراثة أنها وراثة العلم ، لأنه هو القيمة العليا التي تستأهل الذكر (٢) ، ويقول الطبري أن سليمان ورث أباه داود في العلم الذي كان آتاه الله في حياته ، والملك الذي كان خصه به على سائر قومه ، فجعله له بعد أبيه ، دون سائر ولد أبيه (٣).
ويقول الفخر الرازي في التفسير الكبير : أما قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) فقد اختلفوا فيه ، فقال الحسن البصري : المال ، لأن النبوة عطية مبتدأة ولا تورث ، وقال غيره : بل النبوة ، وقال آخرون : بل الملك والسياسة ولو تأمل الحسن لعلم أن المال إذا ورثه الولد فهو أيضا عطية مبتدأة من الله تعالى ، ولذلك يرث الولد إذا كان مؤمنا ، ولا يرث إذا كان كافرا أو قاتلا ، ولكن الله تعالى جعل سبب الإرث فيمن يرث الموت على شرائط ، وليس كذلك النبوة ، لأن الموت لا يكون سببا لنبوة الله ، فمن هذا الوجه يفترقان ، وذلك لا يمنع من أن يوصف بأنه ورث النبوة لما قام به عند موته ، كما يرث الولد المال إذا قام به عند موته ، ومما يبيّن ما قلناه أنه تعالى لو فصل فقال : وورث سليمان داود ماله لم يكن لقوله «وقال يا أيها الناس علمنا منطق الطير» معنى ، وإذا قلنا وورث مقامه من النبوة والملك حسن
__________________
(١) محمد علي الصابوني : النبوة والأنبياء ص ١٠ ، محمد بيومي مهران : النبوة والأنبياء عند بني إسرائيل ص ٧١ ـ ٧٧.
(٢) في ظلال القرآن ٥ / ٢٦٣٤.
(٣) تفسير الطبري ١٩ / ١٤١.