ذلك ، لأن تعليم منطق الطير يكون داخلا في جملة ما ورثه ، وكذلك قوله تعالى : (وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) لأن وارث الملك يجمع ذلك ، ووارث المال لا يجمعه ، وقوله تعالى : (إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ) لا يليق أيضا إلا بما ذكرنا دون المال الذي قد يحصل للكامل والناقص ، وما ذكره الله تعالى من جنود سليمان بعده ، لا يليق إلا بما ذكرناه ، فبطل بما ذكرنا قول من زعم أنه لم يرث إلا المال ، فأما إذا قيل : وورث المال والملك معا ، فهذا لا يبطل بالوجوه التي ذكرناها ، بل بظاهر قوله صلىاللهعليهوسلم : «نحن معاشر الأنبياء لا نورث ما تركناه صدقة» (١).
وقال قتادة في قوله تعالى : (وَوَرِثَ سُلَيْمانُ داوُدَ) ورث نبوته وملكه وعلمه ، وهذه الثلاثة هي المذكورة في حق داود عليهالسلام في آية البقرة (٢٥١) (وَآتاهُ اللهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشاءُ) ، ويدخل في هذا أيضا ما أخبر الله تعالى به في سورة النمل (١٥) مما أكرم الله به هذين النبيين الكريمين من عظيم المنح ، وجزيل الفضل في قوله تعالى : (وَلَقَدْ آتَيْنا داوُدَ وَسُلَيْمانَ عِلْماً) ، وهذا يشمل على ما شرفهما الله به من النبوة والرسالة وما يسر لكل منهما من علوم الدنيا والآخرة (٢) ، أو هو ، كما يقول الطبري ، علم كلام الطير والدواب ، وغير ذلك مما خصهم الله بعلمه» (٣) ، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين» ، يقول النسفي : والكثير المفضل عليه من لم يؤت علما أو من لم يؤت مثل علمهما ، وفيه أنهما فضلا على كثير ، وفضل عليهما كثير ، وفي الآية دليل على شرف العلم وتقدم حملته وأهله وأن نعمة العلم من أجل النعم ، وأن من أوتيه فقد أوتى خيرا كثيرا ، وفضلا على كثير من عباده ، وما سماهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ورثة الأنبياء إلا لمداناتهم لهم
__________________
(١) تفسير الفخر الرازي ٢٤ / ١٨٦.
(٢) عويد المطرفي : المرجع السابق ص ٦٤.
(٣) تفسير الطبري ١٩ / ١٤٠.