ولولا أن الثقافة مكينة ، قائمة على أسس ثابتة من مدارس موقوفة ، وريع وافر لتأمين إدارتها ، وتأكيد معرفتها لكانت في خبر كان.
إن المدارس الموقوفة ثبتت الوضع الثقافي وغيرت الحالة ، ولم تدع مجالا للتخريب والقضاء على الآداب والعلوم. بل حييت حياة طيبة في كل فرصة وجدت فيها راحة وطمأنينة ، وإن العثمانيين كانوا في بدء عمل ثقافي ، فكانت الاستفادة من هذه المدارس كبيرة لاقتباس نظامها ومراعاة طرق تدريسها ... فصار لا يستغني موظف ، أو عالم أو أديب عن العلاقة بهذه المدارس للأخذ بالثقافة الصحيحة.
وعلى كل حال تيسر للسلطان سليمان القانوني (فتح بغداد) بسهولة دون أن يرى أدنى عقبة أو صعوبة ، ولم يجد مقاومة من عدو ولا قياما من أهلين بل فتحوا له الأبواب مستبشرين ، مسرورين.
والشعب لا يريد إلا الراحة والطمأنينة ، أنهكته الحروب ، وتسلطت عليه الأوهام حذر أن تعود إليه هذه الحروب جذعة.
والحق أن العراق اكتسب الراحة ، وسكن مدة ، ولكن بعد قليل دب في الدولة الضعف من جراء استمرار الحروب ، ودوام غوائلها ، فاضطرت الدولة إلى التضييق على الأهلين ، شعر علماء كثيرون بهذا الخطر ، وحذروا الدولة من نتائجه ... فظهر التغلب في مواطن عديدة في بغداد وغيرها ، فتشوشت الحالة في أواخر هذا العهد ، واستفاد منها المجاور وهو بالمرصاد فكان ما كان من وقائع انتهت بدخول السلطان مراد بغداد وانتزاعها من أيدي الإيرانيين ...
وفي هذا العهد لم يستفد العراق من العلاقات الاقتصادية بأصل الدولة ولا بغيرها فليس هناك ما يستحق الذكر سواء في أيام الراحة أو الاضطراب بل بقي العراق على حالته المعتادة ، فلم يظهر ما يزيد في الاقتصاديات ، ولا في السياسة ما يدعو للارتياح.