ولا يسأل عن الثقافة في هذه الزعازع ، والاضطرابات ، وأن الفرصة مكنت من استعادتها نوعا في أول العهد إلا أن الأيام الأخيرة حتى استيلاء السلطان مراد قد قضت على الكثير من آثارها ، فصرنا اليوم لا نستطيع أن نعلم عنها إلا القليل النزر. ولعل الأيام تكشف أكثر عما غاب عنا في خزائن الكتب الخاصة ، أو في البيوت من مصادر.
دامت بغداد في إدارة العثمانيين إلى أن حدثت حوادث كان آخرها واقعة (بكر الصوباشي) سنة ١٠٢٨ ه ـ ١٦١٩ م ، ثار على العثمانيين ، وأعلن حكومته في بغداد. ولما رأى تضييقا من هذه الدولة طلب المساعدة من إيران ، فكان من نتائج ذلك أن استولت إيران على بغداد. دخلتها في يوم الأحد ٢٣ ربيع الأول سنة ١٠٣٢ ه ـ ١٦٢٣ م.
جرت هذه إلى حروب وبيلة وقاسية بين العثمانيين والإيرانيين. اكتسبت عنفا وشدة ، ونالت وضعا خطرا على الدولتين ، فصارت كل واحدة منهما على وشك الهلاك ، ولم يبق بين الحياة والموت إلا أنفاس معدودة. جاء السلطان مراد الرابع بنفسه لفتحها ، فحدثت المعارك الهائلة والحروب الطاحنة بين الطرفين مما ولدته الأطماع ، كأن قد ذهبت لهم ذاهبة ، أو كأن العراق مخلوق لأحدهما. فتمكن السلطان مراد من استعادة بغداد في ١٨ شعبان سنة ١٠٤٨ ه ـ ١٦٣٩ م وتم الفتح. ومن ثم عادت بغداد. وكانت هذه المرة الأخيرة ، فلم يتمكن الإيرانيون بعدها من الاستيلاء عليها وإن كانت لم تنقطع الحروب ولا هدأ الأمل.
فتح بغداد
١ ـ بغداد وحاكمها :
كان العراق من الضعف بمكانة ، وبغداد قاعدة بلاده. كانت إدارتها بيد العجم ، فإن محمد خان تكلو كان حاكم بغداد من إيران وهذا