وفي حديث طَلْحَة أنّ قَبِيصَةَ قال : ما رأيتُ أحداً أعْطَى لجزَيلٍ عن ظَهْر يدٍ من طَلْحَة ابن عبد الله. قيل : قوله عن ظَهْر يدٍ ، معناه ابتداءً من غير مكافأة.
وقال الأصمعي : يقال : هاجت ظُهُورُ الأرض ، وذلك ما ارتَفَع منها ، ومعنى هاجت أي يَبِسَ بَقْلها.
وقال الفرّاء في قول الله جلّ وعزّ : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التّحْريم : ٤] ، قال : يريدُ أعوانٌ ، فقال : ظَهِيرٌ ، ولم يقل ظُهَراء. ولو قال قائل : إنّ ظهير لجبريل وصالح المؤمنين وللملائكة كان صوابا ، ولكنه حَسُنَ أن تجعَل الظَّهير للملائكة خاصّةً لقوله : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) أي بعد نُصْرَةِ هؤلاء ظَهِيرٌ.
وقال الزجاج : (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) في معنى ظُهَرَاء ، أراد والملائكة أيضاً نُصَّارُ النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقال غيره : ومِثلُ ظَهيرٍ في معنى ظُهَراء قولُ الشاعر :
إنَّ العَواذِلَ لَسْنَ لِي بأَميرِ
يعني لَسْنَ لي بأُمراء ، وأما قول الله عزوجل : (وَكانَ الْكافِرُ عَلى رَبِّهِ ظَهِيراً) [الفُرقان : ٥٥]. قال ابن عرفة : أي مُظاهراً لأعداء الله تعالى ، وقوله جلّ وعزّ : (وَظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ) [المُمتَحنَة : ٩] أي عاونوا ، وقوله : (تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ) [البَقَرَة : ٨٥] أي يتعاونون ، (وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذلِكَ ظَهِيرٌ) [التّحْريم : ٤] أي ظُهَرَاء أي أعوان النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما قال : (وَحَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً) [النساء : ٦٩] أي رفقاء. قال الشاعر :
إنَّ العَوَاذِل لَسْنَ لي بأمِيرِ
أي بأمراء ، (فَمَا اسْطاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) [الكهف : ٩٧] أي ما قَدَرُوا أن يَعْلُوا عليه لارتفاعه ، يقال : ظهر على الحائط ، وعلى السَّطْح ، وظهر على الشيء : إذا غَلَبه وعَلَاه (وَمَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ) [الزّخرُف : ٣٣] أي يعلون ، والمعارج : الدَّرَج (فَأَصْبَحُوا ظاهِرِينَ) [الصَّف : ١٤] أي غالبين وقولُ الله جلّ وعزّ : (وَإِنْ تَظاهَرا عَلَيْهِ) [التّحْريم : ٤] معناه : وإن تعاونا ، يقال : تظاهرَ القومُ على فُلان ، وتظافَروا وتضافَروا إذا تعاوَنوا عليه. وقول الله جلّ وعزّ : (الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ) [المجَادلة : ٢] قرىء (يَظَّهَّرون) ، ومن قرأ (يَظَّاهرون) فالأصل يتَظاهرون ، والمعنى واحد ، وهو أن يقول لها : أنتِ عليَ كظهْر أُمِّي ، وكانت العرب تُطَلّق نساءها في الجاهلية بهذه الكلمة ، فلمَّا جاء الإسلام نُهُوا عنها ، وأوجِبَت الكفارة على مَن ظَاهَرَ من امرأته ، وهو الظِّهار ، وأصله مأخوذٌ من الظَّهْر ، وذلك أن يقول لها : أنتِ عليَ كظهْرِ أمِّي ، وإنما خصُّوا الظَّهْر دون البَطْن والفخِذ والفَرْج ، وهذه أَوْلَى بالتَّحْرِيم ؛ لأنَ الظَّهر مَوْضِعُ الرُّكُوبِ ، والمرأة مَرْكوبة إذا غُشِيَتْ ، فكأنه إذا قال : أنتِ عليَ كظهر أمِّي ، أراد رُكُوبُكِ للنِّكاح حرام عليَّ كرُكُوب أمِّي للنِّكاح ، فأقام