(عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ) (١) ؛ نعم : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِما شاءَ) (٢). (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (٣)
فالأنبياء والأولياء والمؤمنون كلّهم يعلمون الغيب بنصٍّ من الكتاب العزيز ، ولكلٍّ منهم جزء مقسوم ؛ غير أنَّ علم هؤلاء كلّهم ـ بلغ ما بلغ ـ محدود لا محالة كمّا وكيفاً ، وعارض ليس بذاتيٍّ ، ومسبوقٌ بعدمه ليس بأزليٍّ ، وله بدء ونهاية ليس بسرمديٍّ ، ومأخوذٌ من الله سبحانه (وَعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاَّ هُوَ) (٤).
والنبيّ ووارث علمه في أمّته (٥) ارجاع دارد يحتاجون في العمل والسير على طبق علمهم بالغيب من البلايا ، والمنايا ، والقضايا ، وإعلامهم الناس بشيءٍ من ذلك ، إلى أمر المولى سبحانه ورخصته ، وإنَّما العلم ، والعمل به ، وإعلام الناس بذلك ، مراحل ثلاث لا دخل لكلّ مرحلة بالأخرى ، ولا يستلزم العلم بالشيء وجوب العمل على طبقه ، ولا ضرورة الإعلام به ، ولكلٍّ منها جهات مقتضية ووجوه مانعة لا بدَّ من رعايتها ، وليس كلّ ما يُعلَم يُعمَل به ، ولا كلّ ما يُعلَم يُقال.
قال الحافظ الأصولي الكبير الإمام أبو إسحاق إبراهيم بن موسى اللخمي الشهير بالشاطبي المتوفّى (٧٩٠) في كتابه القيّم ـ الموافقات في أصول الأحكام (٦) (٢ / ١٨٤):
لو حصلت له مكاشفة بأنَّ هذا المعيّن مغصوب أو نجس ، أو أنَّ هذا الشاهد
__________________
(١) الجن : ٢٦ و ٢٧.
(٢) البقرة : ٢٥٥
(٣) الإسراء : ٨٥.
(٤) الأنعام : ٥٩.
(٥) أجمعت الأمّة الإسلامية على أنّ وارث رسول الله صلّي الله عليه وآله وسلّم في علمه هو أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليهالسلام. راجع الجزء الثالث من كتابنا : ص ٩٥ ـ ١٠١. (المؤلف)
(٦) الموافقات في أصول الأحكام : ٢ / ٢٦٧.