ـ ٦ ـ
زيارة مشاهد العترة الطاهرة
الدعاء عندها ، الصلاة فيها ، التوسّل والتبرّك بها
قد جرت السيرة المطّردة من صدر الإسلام منذ عصر الصحابة الأوّلين والتابعين لهم بإحسان على زيارة قبور ضمنت في كنفها نبيّا مرسلاً ، أو إماماً طاهراً ، أو وليّا صالحاً أو عظيماً من عظماء الدين ، وفي مقدّمها قبر النبيّ الأقدس صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكانت الصلاة لديها ، والدعاء عندها ، والتبرّك والتوسّل بها ، والتقرّب إلى الله ، وابتغاء الزلفة لديه بإتيان تلك المشاهد من المتسالم عليه بين فرق المسلمين ، من دون أيّ نكير من آحادهم ، وأيّ غميزةٍ من أحد منهم على اختلاف مذاهبهم.
حتى ولد الدهر ابن تيميّة الحرّاني فجاء كالمغمور مستهتراً يهذي ولا يبالي ؛ فَتَرَّه (١) ، وأنكر تلكم السنّة الجارية سنّة الله التي لا تبديل لها ، ولن تجد لسنّة الله تحويلاً ، وخالف هاتيك السيرة المتّبعة وشذَّ عن تلكم الآداب الإسلاميّة الحميدة ، وشدّد النكير عليها بلسانٍ بذيء ، وبيانٍ تافه ، ووجوهٍ خارجة عن نطاق العقل السليم ، بعيداً عن أدب العلم ، أدب الدين ، أدب الكتابة ، أدب العفّة ، وأفتى بحرمة شدِّ الرحال لزيارة النبيِّ صلىاللهعليهوآلهوسلم وعدَّ السفر لأجل ذلك سفر معصية لا تقصر فيه الصلاة ، فخالفه أعلام عصره ورجالات قومه فقابلوه بالطعن والردّ الشديد ، فأفرد هذا
__________________
(١) من التُّرّه والتُّرّهة ، وهو الباطل.