فروع ثلاثة :
هذه الفروع تُعطينا درس التسالم من أئمّة المذاهب على رجحان زيارة النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم واستحبابها ، ومحبوبيّة شدِّ الرحال إليها من أرجاء الدنيا ، ألا وهي :
١ ـ اختلفت الآراء من فقهاء المذاهب الأربعة في تقديم أيٍّ من الحجّ والزيارة على الآخر ؛ فقال تقيّ الدين السبكي في شفاء السقام (١) :
اختلف السلف رحمهمالله في أنَّ الأفضل البداءة بالمدينة قبل مكّة ، أو بمكّة قبل المدينة ، وممّن نصَّ على هذه المسألة وذكر الخلاف فيها الإمام أحمد في كتاب المناسك الكبير من تأليفه ، وهذه المناسك رواها الحافظ أبو الفضل بإسناده (٢) ، عن عبد الله بن أحمد ، عن أبيه ، وفي هذه المناسك سُئل عمّن يبدأ بالمدينة قبل مكّة ، فذكر بإسناده عن عبد الرحمن بن يزيد وعطاء ومجاهد أنَّهم قالوا : إذا أردت مكّة فلا تبدأ بالمدينة وابدأ بمكّة ، وإذا قضيت حجّك فامرر بالمدينة إن شئت.
وذكر بإسناده عن الأسود قال : أُحبّ أن يكون نفقتي وجهازي وسفري أن أبدأ بمكّة ، وعن إبراهيم النخعي : إذا أردت مكّة فاجعل كلّ شيء لها تبعاً ، وعن مجاهد : إذا أردت الحجّ أو العمرة فابدأ بمكّة واجعل كلّ شيء لها تبعاً ، وعن إبراهيم ، قال : إذا حججت فابدأ بمكّة ثمّ مرّ بالمدينة بعدُ.
وذكر الإمام أحمد أيضاً بإسناده عن عديّ بن ثابت : أنَّ نفراً من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كانوا يبدءون بالمدينة إذا حجّوا ، يقولون : نُهّل من حيث أحرم رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وذكر ابن أبي شيبة في فضيلة هذا الأمر أيضاً ، وذكر بإسناده عن
__________________
(١) شفاء السقام : ص ٥٧.
(٢) ذكره كملاً ، ونحن حذفناه روماً للاختصار. (المؤلف)