صراخهم ، ولا صريخ لهم.
أمّا لماذا لا يطلب هؤلاء الموت من الله مباشرة ، بل يقولون لمالك : (لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ)؟ فلأنّهم في ذلك اليوم محجوبون عن ربّهم ، كما نقرأ ذلك في الآية (١٥) من سورة المطففين : (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) ولذلك يطلبون طلبتهم هذه من ملك العذاب. أو بسبب أن مالكا ملك مقرب عند الله سبحانه.
وتقول الآية الأخرى ، والتي هي في الحقيقة علة لخلود هؤلاء في نار جهنم : (لَقَدْ جِئْناكُمْ بِالْحَقِّ وَلكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ).
وللمفسّرين رأيان مختلفان في أن هذا الكلام هل هو من قبل مالك خازن النّار ، وأن ضمير الجمع يعود على الملائكة ومنهم مالك ، أم أنّه كلام الله تعالى؟
السياق يوجب أن يكون الكلام كلام مالك ، لأنّه أتى بعد كلامه السابق ، إلّا أنّ محتوى نفس الآية ينسجم مع كونه كلام الله تعالى ، والشاهد الآخر لهذا الكلام الآية (٧١) من سورة الزمر : (وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ) فهنا يعد الملائكة الرسل هم الذين جاؤوا بالحق ، لا هم.
وللتعبير «بالحق» معنى واسع يشمل كل الحقائق المصيرية ، وإن كانت مسألة التوحيد والمعاد والقرآن تأتي في الدرجة الأولى.
وهذا التعبير يشير ـ في الحقيقة ـ إلى أنّكم لم تخالفوا الأنبياء فحسب ، وإنّما خالفتم الحق في الواقع ، وهذه المخالفة هي التي ساقتكم إلى العذاب الخالد الأبدي.
وتعكس الآية التالية جانبا من كراهية هؤلاء للحق واشمئزازهم منه ، وكذلك مناصرتهم للباطل والتمسك به ، فتقول : (أَمْ أَبْرَمُوا أَمْراً فَإِنَّا مُبْرِمُونَ) (١) فقد حاك هؤلاء الأشرار الدسائس ودبروا المؤامرات لإطفاء نور الإسلام ، وقتل النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ولم يتورعوا في إنزال الضربات بالإسلام والمسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
__________________
(١) «أم» في الآية منقطعة ، وهي بمعنى (بل) والإبرام بمعنى الإحكام.