وهذا البيان ينسجم مع الرّوايات الكثيرة التي تقول : إنّ مقدرات كل بني آدم لمدّة سنة تقدر في ليلة القدر ، وكذلك تفرق الأرزاق والآجال والأمور الأخرى في تلك الليلة.
وسيأتي تفصيل الكلام في هذا البحث والمسائل الأخرى التي ترتبط بليلة القدر ، وعدم التناقض بين هذا التقدير ، وبين حرية البشر ، في تفسير سورة القدر ، إن شاء الله تعالى.
وتقول الآية الأخرى لتأكيد أنّ القرآن منزل من قبل الله تعالى : (أَمْراً مِنْ عِنْدِنا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ). (١)
ولأجل تبيان العلة الأساسية لنزول القرآن وإرسال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وكون المقدرات في ليلة القدر ، تضيف الآية : (رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ). (٢)
نعم ، فإن رحمته التي لا تحدّ توجب أن لا يترك العباد وشأنهم ، بل يجب أن ترسل إليهم التعليمات اللازمة لترشدهم في سيرهم إلى الله عبر ذلك المسير التكاملي المليء بالالتواءات والتعرجات ، فإن كل عالم الوجود يصدر عن رحمته الواسعة وينبع منها ، والبشر أكثر تنعما بهذه الرحمة من كل الموجودات.
وتذكر نهاية هذه الآية ـ والآيات التالية ـ سبع صفات لله سبحانه ، وكلها تبين توحيده ووحدانيته ، فتقول : (إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) فهو يسمع طلبات العباد ، وهو عليم بأسرار قلوبهم.
ثمّ تقول ، مبينة للصفة الثالثة (رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما إِنْ كُنْتُمْ
__________________
(١) هناك احتمالات مختلفة في محل جملة (أمرا من عندنا ..) من الإعراب ، وإلى أي من بحوث الآيات السابقة تنظر؟ وأنسب هذه الاحتمالات أن تكون جملة (أمرا من عندنا) حالا لضمير مفعول (إنا أنزلناه) ، أي : إنا أرسلنا القرآن ، وكان ذلك أمرا من عندنا. وهذا الاحتمال ينسجم في هذه الصورة تماما من جملة (إنا كنا مرسلين) والتي تتحدث عن إرسال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. ويحتمل أيضا أن يكون توضيحا بـ (كل أمر حكيم) ونصبها على الاختصاص ، فيكون المعنى : أعني بهذا الأمر أمرا حاصلا من عندنا.
(٢) (رحمة من ربك) مفعول لأجله بـ (إنا أنزلناه) ، أو لـ (يفرق كل أمر حكيم) ، أو لكليهما.