الملائكة بما يكون منها فيه من العبادة ، ويدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثمّ لا يعودون إليه أبدا» (١).
وعلى أية حال ، فإنّ نزول القرآن جملة واحدة إلى البيت المعمور في ليلة القدر لا ينافي علم النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم به مطلقا ، فإنّه صلىاللهعليهوآلهوسلم لا سبيل له إلى اللوح المحفوظ الذي هو مكنون علم الله ، إلّا أنّه عالم بالعوالم الأخرى.
وبتعبير آخر ، فإن ما استفدناه وفهمناه من الآيات السابقة ، بأن القرآن نزل على النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مرتين : نزولا دفعيا في ليلة القدر ، ونزولا تدريجيا طوال (٢٣) عاما ، لا ينافي الحديث المذكور الذي يقول : إنّه نزل في ليلة القدر إلى البيت المعمور ، لأن قلب النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مطلع على البيت المعمور.
وقد اتضح من خلال ما قيل في الجواب عن هذا السؤال ، الإجابة عن سؤال آخر يقول : إذا كان القرآن نزل في ليلة القدر ، فكيف كانت بداية بعثة النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم في السابع والعشرين من شهر رجب طبقا للروايات المشهورة؟ حيث كان لنزوله في رمضان صفة الجمع والكلية ، في حين أن أوّل آياته نزلت في (٢٧) رجب ، كبداية للنزول التدريجي ، وبذلك فلا مشكلة من هذه الناحية.
والآية التالية وصف وتوضيح لليلة القدر ، حيث تقول : (فِيها يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ).
التعبير بـ (يفرق) إشارة إلى أن كل الأمور والمسائل المصيرية تقدر في تلك الليلة ، والتعبير بـ «الحكيم» بيان لاستحكام هذا التقدير ، وعدم تغيره ، وكونه حكيما. غاية ما في الباب أن هذه الصفة تذكر عادة لله سبحانه ، ووصف الأمور الأخرى بها من باب التأكيد. (٢).
__________________
(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ١٦٣. وقد جمع العلّامة المجلسي في بحار الأنوار ، المجلد ٥٨ ، صفحة ٥٥ وما بعدها ، الروايات المتعلقة بالبيت المعمور.
(٢) ذكر في تفسير الميزان تفسير آخر لهذه الآية ، خلاصته ، إن الأمور هذا العالم مرحلتين : مرحلة الإجمال والإبهام ، والتي عبر عنها بـ (حكيم) ، ومرحلة التفصيل والكثرة ، والتي عبر عنها بـ (يفرق) المجلد ١٨ ، صفحة ١٤٠.