في شهر رمضان وليلة القدر ، الأمر الذي يخالف ظاهر الآيات.
وأضعف منه قول القائل : لما كانت سورة الحمد ـ التي هي خلاصة لمجموع القرآن ـ قد نزلت في ليلة القدر ، فقد عبر بـ (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ).
إن كل هذه الاحتمالات مخالفة لظاهر الآيات ، لأن ظاهرها أن كل القرآن قد نزل في ليلة القدر.
الشيء الوحيد الذي يبقى هنا هو ما نقرؤه في روايات عديدة رويت في تفسير علي بن إبراهيم. عن الإمام الباقر والصادق وأبي الحسن موسى بن جعفر عليهمالسلام أنّهم قالوا في تفسير (إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةٍ مُبارَكَةٍ) : «هي ليلة القدر ، أنزل الله عزوجل القرآن فيها إلى البيت المعمور جملة واحدة ، ثمّ نزل من البيت المعمور على رسول الله في طول عشرين سنة». (١)
(التفتوا جيدا إلى أن الرواية قد عبرت عن النّزول جملة واحد بـ (أنزل) وعن النّزول التدريجي بـ (نزل).
وأين هو «البيت المعمور»؟ صرحت روايات عديدة ـ سيأتي تفصيلها في ذيل الآية (٤) من سورة الطور ، إن شاء الله تعالى ـ بأنه بيت في السماوات بمحاذاة الكعبة ، وهو محل عبادة الملائكة ، ويحج إليه كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه إلى يوم القيامة.
لكن في أي سماء هو؟ الرّوايات مختلفة ، ففي كثير منها أنه في السماء الرابعة ، وفي بعضها أنه في السماء الأولى ـ السماء الدنيا ـ وجاء في بعضها أنه في السماء السابعة.
ونطالع في الحديث الذي نقله العلّامة الطبرسي في مجمع البيان في تفسير سورة الطور عن علي عليهالسلام : «هو البيت في السماء الرابعة بحيال الكعبة ، تعمره
__________________
(١) تفسير نور الثقلين ، المجلد ٤ ، ص ٦٢٠. وقد ذكر هذا الحديث أن القرآن نزل تدريجيا في عشرين سنة ، في حين أننا نعلم فترة النبوة التي نزل فيها القرآن كانت (٢٣) سنة ، ولعله هذا القول اشتباه من الراوي ، أو غلط في نسخ الحديث.