١ ـ إنّه إشارة إلى العقاب والعذاب الذي ابتلي به كفار قريش في عصر النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لأنّه لعنهم ودعا عليهم قال : «اللهم سنين كسني يوسف». وبعد ذلك أصاب مكّة قحط شديد ، حتى أنّهم كانوا يرون كأن بين السماء والأرض عمودا من الدخان من شدة الجوع والعطش ، وعسر الأمر عليهم حتى أكلوا الميتة وعظام الحيوانات الميتة.
فأتوا إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم وقالوا : يا محمّد ، تأمرنا بصلة الرحم وقد هلك قومك! لئن رفع عنا العذاب لنؤمنن. فدعا النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فارتفع العذاب وعم الخير والنعمة الوفيرة ، لكنّهم لم يعتبروا بذلك ، بل عادوا إلى الكفر مرة أخرى. (١)
طبقا لهذا التّفسير فقد اعتبرت غزوة بدر هي البطشة الكبرى ـ أي العقوبة الشديدة ـ لأن المشركين تلقوا من المسلمين في بدر ضربات مهلكة ماحقة.
وطبقا لهذا التّفسير لم يكن للدخان وجود في الحقيقة ، بل إن السماء قد بدت للناس العطاشى الجائعين كعمود الدخان ، وعلى هذا فذكر الدخان هنا من باب المجاز ، وهو يشير إلى تلك الحالة الصعبة المؤلمة.
وقال البعض : إنّ الدخان يستعمل عادة في كلام العرب كناية عن الشر والبلاء الذي يعم ويغلب. (٢)
ويعتقد بعض آخر أنّه حين القحط وقلّة المطر تغطي السماء عادة أعمدة الغبار ، وقد عبر هنا عن هذه الحالة بالدخان ، لأن المطر ينزل بالغبار إلى الأرض فيصفو الأفق. (٣) ومع كل هذه الصفات ، فإنّ استعمال كلمة الدخان هنا مجازا طبقا لهذا التّفسير.
٢ ـ إن المراد من «الدخان المبين» هو ذلك الدخان الغليظ الذي سيغطي السماء
__________________
(١) مجمع البيان ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٢ ، ذيل الآيات مورد البحث.
(٢) يقول الفخر الرازي : إنّ العرب يسمّون الشر الغالب بالدخان. المجلد ٢٧ ، صفحة ٢٤٢.
(٣) روح المعاني ، المجلد ٢٥ ، ص ١٠٧.