انظر إلى أدب الدعاء ، إنّه لا يقول : اللهم افعل كذا وكذا ، بل يكتفي بأنّ يقول : اللهمّ إن هؤلاء قوم مجرمون لا أمل في هدايتهم وحسب!
وقد استجاب الله سبحانه دعاءه ، وكمقدمة لنزول العذاب على الفراعنة ، ونجاة بني إسرائيل منهم ، أمر موسى عليهالسلام أنّ (فَأَسْرِ بِعِبادِي لَيْلاً إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ) لكن لا تقلق من ذلك ، فيجب أن يتبعكم هؤلاء ليلاقوا المصير الذي ينتظرهم.
إنّ موسى عليهالسلام مأمور بأنّ يتحرك ليلا بصحبة عباد الله المؤمنين ، أي بني إسرائيل ، وجماعة من أهل مصر الذين مالت قلوبهم إلى الإيمان ولبّت دعوة موسى ، وأن يأتي النيل ، ويعبره بطريقة إعجازية ، ثمّ يسير إلى الأرض الموعودة ، «فلسطين».
صحيح أنّ حركة موسى وأنصاره قد تمّت ليلا ، إلّا أنّ من المحتم أنّ لا تبقى حركة جماعية عظيمة كهذه خافية ، عن أنظار الفراعنة مدة طويلة ، وربّما لم تمض عدّة ساعات حتى أوصل جواسيس فرعون هذا الخبر المهور ـ أو قل فرار العبيد الجماعي ـ إلى مسامعه ، فأمر بمطاردتهم بجيش جرار.
والطريف أنّ كلّ هذه الأمور التي حدثت جاءت ضمن إشارة موجزة في الآيات أعلاه (إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ).
إن ما حذف هنا من أجل الاختصار وضّح في آيات أخرى من القرآن بعبارات موجزة ، فمثلا نقرأ في الآية (٧٧) من سورة طه (وَلَقَدْ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقاً فِي الْبَحْرِ يَبَساً لا تَخافُ دَرَكاً وَلا تَخْشى).
ثمّ تضيف الآية التي بعدها : عند ما تصل إلى الساحل الآخر عليك أن تترك البحر بهدوء (وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً) والمراد من البحر في هذه الآيات هو نهر النيل العظيم.
لقد ذكر المفسّرون وأرباب اللغة معنيين للرهو : هما الهدوء ، والسعة والانفتاح ، ولا مانع هنا من اجتماعهما.