لكن لماذا صدر مثل هذا الأمر لموسى عليهالسلام؟
من الطبيعي أنّ موسى عليهالسلام وبني إسرائيل كانوا راغبين في أن يجتازوا البحر حتى تتصل المياه مرّة أخرى وتملأ هذا الفراغ ، ويبتعدوا بسرعة عن منطقة الخطر ، ويتجهوا بسلامة إلى الوطن الموعود ، إلّا أنّهم أمروا أنّ لا يعجلوا أثناء عبورهم نهر النيل ، بل ليدعوا فرعون وآخر جندي من جنوده يردون النيل ، فإنّ أمر إهلاكهم وإماتتهم قد صدر إلى أمواج النيل المتلاطمة الغاضبة ، ولذلك تقول الآية في ختامها (إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ).
هذا هو أمر الله عزوجل الحتمي الصادر بحق هؤلاء القوم ، بأنّهم يجب أن يغرقوا جميعا في نهر النيل العظيم ، الذي كان أساس ثروتهم وقوّتهم! وبأمر إلهي واحد تحول هذا النهر الذي كان عصب حياتهم إلى أداة فنائهم وموتهم.
نعم ، عند ما وصل فرعون وجنوده إلى شاطئ النيل كان بنو إسرائيل قد خرجوا من الجانب الآخر ، وكان ظهور مثل ذلك الطريق اليابس وسط النيل كافيا وحده لأن يلفت نظر حتى الطفل الساذج إلى تحقق إعجاز إلهي عظيم في البحر ، إلّا أنّ كبر أولئك الحمقى وغرورهم لم يسمح لهم بإدراك هذه الحقيقة الواضحة فيقفوا على اشتباهاتهم وأخطائهم ، ويتوجهوا إلى الله سبحانه!
ربّما كانوا يظنون أنّ هذا التغير الذي طرأ على النيل قد تمّ بأمر فرعون أيضا! وربّما قال هذا الكلام لجنوده ، ثمّ ورد بنفسه ذلك الطريق فتبعه جنوده حتى الجندي الأخير!
لكن ، أمواج النيل تلاطمت فجأة وانهالت عليهم كبناء شاهق انهدمت قواعده فانهار إلى الأرض ، فغرقوا جميعا.
ولنكتة التي تلفت النظر في هذه الآيات ، هي اختصارها الفائق ، وكونها بليغة ومعبرة في الوقت نفسه ، فقد ذكر قصة مفصلة في ثلاث آيات ـ أو جمل ـ بحذف الجمل الإضافية التي تفهم من القرائن أو الجمل الأخرى ، ونراها اكتفت بالقول :