وبالعظيم في الآية التالية ، فكلّ منها يناسب نوعية جرم هؤلاء وكيفيته.
وتوضح الآية التالية العذاب المهين ، فتقول : (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ).
إن التعبير بالوراء مع أنّ جهنّم أمامهم وسيصلونها في المستقبل ، يمكن أن يكون ناظرا إلى أنّ هؤلاء قد أقبلوا على الدنيا ونبذوا الآخرة والعذاب وراء ظهورهم ، وهو تعبير مألوف ، إذ يقال للإنسان إذا لم يهتم بأمر ، تركه وراء ظهره ، والقرآن الكريم يقول : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً) (١).
وقال جمع من المفسّرين أيضا : إنّ كلمة (وراء) من مادة المواراة ، وتقال لكلّ شيء خفي على الإنسان وحجب عنه ، سواء كان خلفه ولا يراه ، أم أمامه لكنّه بعيد لا يراه ، وعلى هذا فإنّ لكلمة (وراء) معنى جامعا يطلق على مصداقين متضادين (٢).
وليس ببعيد إذا قلنا : إنّ التعبير بالوراء إشارة إلى مسألة العلة والمعلول ، فمثلا نقول : إذا تناولت الغذاء الفلاني غير الجيد فستمرض بعد ذلك ، أي إنّ تناول الغذاء يكون علة لذلك المرض ، وهنا أيضا تكون أعمال هؤلاء علة لعذاب الجحيم المهين.
وعلى أية حال ، فإنّ الآية تضيف مواصلة الحديث أنّ هؤلاء إن كانوا يظنون أنّ أموالهم الطائلة وآلهتهم التي ابتدعوها ستحل شيئا من أثقالهم ، وأنّها ستغني عنهم من الله شيئا ، فإنّهم قد وقعوا في اشتباه عظيم ، حيث : (وَلا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَلا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللهِ أَوْلِياءَ).
ولما لم يكن هناك سبيل نجاة وفرار من هذا المصير ، فإنّ هؤلاء يجب أن يبقوا في عذاب الله ونار غضبه : (وَلَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ).
__________________
(١) سورة الدهر ، الآية ٢٧.
(٢) قال البعض أيضا : إنّ كلمة (وراء) إنّ أضيفت إلى الفاعل أعطت معنى الوراء ، وإن أضيفت إلى المفعول أعطت معنى الأمام. روح البيان ، المجلد ٨ ، صفحة ٤٣٩. لكن لا دليل على هذا المدعى.