عبادة أحبار اليهود ، فيقول القرآن ـ مثلا ـ في الآية (٦٠) من سورة يس : (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يا بَنِي آدَمَ أَنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ).
ويقول في الآية (٣١) من سورة التوبة : (اتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَرُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللهِ).
وجاء في حديث عن الإمامين الباقر والصادق عليهماالسلام أنهما قالا : «أما والله ما صاموا لهم ، ولا صلوا ، ولكنّهم أحلوا لهم حراما وحرموا عليهم حلالا ، فاتبعوهم ، وعبدوهم من حيث لا يشعرون» (١).
غير أنّ بعض المفسّرين يعتبر هذا التعبير إشارة إلى الوثنيين من قريش ، الذين إذا ما عشقوا شيئا وأحبوه صنعوا على صورته صنما ثمّ عبدوه وعظموه ، وكلما رأوا شيئا آخر أعجبهم أكثر من صنمهم أعرضوا عن الأوّل وتوجهوا إلى عبادة الثّاني ، وعلى هذا فإنّ إلههم كان الشيء الذي ترتضيه أنفسهم وتهواه (٢).
إلّا أنّ تعبير : (مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ) أكثر انسجاما مع التّفسير الأوّل.
أما في مورد جملة : (أَضَلَّهُ اللهُ عَلى عِلْمٍ) فالتّفسير المعروف هو أنّ الله سبحانه قد أضلهم لعلمه بأنّهم لا يستحقون الهداية ، وهو إشارة إلى أنّ هؤلاء قد أطفأوا بأيديهم كلّ مصابيح الهداية وحطموها ، وأغلقوا في وجوههم كلّ سبل النجاة ، ودمروا وراءهم جسور العودة إلى طريق الحق ، فعند ذلك سلبهم الله تعالى رحمته ولطفه ، وأفقدهم القدرة على تشخيص الصالح من الطالح ، وتركهم في ظلمات لا يبصرون ، وكأنّما ختم على قلبهم وسمعهم ، وجعل على أبصارهم غشاوة.
وما كلّ ذلك في الحقيقة إلّا آثار لما اختط هؤلاء لأنفسهم من مسير ، ونتيجة مشؤومة لعبادة الآلهة التي اتخذوها.
ولا صنم في الحقيقة أخطر من إتباع هوى النفس الذي يوصد كلّ أبواب
__________________
(١) نور الثقلين ، المجلد ٢ ، صفحة ٢٠٩.
(٢) تفسير الدر المنثور ، المجلد ٦ ، صفحة ٣٥.