الرحمة وطرق النجاة بوجه الإنسان؟ وكم هو بليغ وعميق الحديث المروي عن الرّسول الأكرم صلىاللهعليهوآلهوسلم : «ما عبد تحت السماء إله أبغض إلى الله من الهوى» (١).
إلّا أنّ بعض المفسّرين يعتبر هذه الجملة إشارة إلى أنّ متبعي الهوى هؤلاء قد اختاروا طريق الضلالة طريقا لهم عن علم ودراية ، لأنّ العلم لا يقارن الهداية دائما ، كما لا تكون الضلالة دائما قرينة الجهل.
إنّ العلم الذي يتمسك الإنسان بلوازمه أساس الهداية ، فعليه كي يصل إلى مراده وهدفه أن يتحرك على هدي هذا العلم ، وألا يكون كأولئك الكفار العنودين الذين قال بحقهم القرآن : (وَجَحَدُوا بِها وَاسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ) (٢) (٣).
إلّا أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب بملاحظة أنّ مرجع الضمائر في الآية إلى الله سبحانه ، لأنّها تقول : (أَضَلَّهُ اللهُ (عَلى عِلْمٍ) وَخَتَمَ عَلى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ).
ممّا قلناه يتّضح جيدا أنّ الآية تدل ـ من قريب أو بعيد ـ على مذهب الجبرية ، بل هي تأكيد على أصل الإختيار وتعيين الإنسان مصيره بنفسه.
لقد أوردنا بحوثا أكثر تفصيلا وإيضاحا حول ختم الله على قلب الإنسان وسمعه ، وإلقاء الغشاوة على قلبه في ذيل الآية (٧) من سورة البقرة (٤).
* * *
ملاحظات
١ ـ أخطر الأصنام صنم هوى النفس
قرأنا في حديث أنّ أبغض الآلهة إلى الله هوى النفس ، ولا مبالغة في هذا الحديث قط ، لأنّ الأصنام العادية موجودات لا خصائص لها ولا صفات فعالة
__________________
(١) تفسير القرطبي ، المجلد ٩ ، صفحة ٥٩٨٧ ، وتفسير روح البيان ، وتفسير المراغي ذيل الآيات مورد البحث.
(٢) النمل ، الآية ١٤.
(٣) تفسير الميزان ، المجلد ١٨ ، صفحة ١٨٧.
(٤) المجلد الأول ، التّفسير الأمثل ، ذيل الآية (٧) من سورة البقرة.