بنصر الله ، وتهدّد الأعداء بالعذاب والعقاب (١).
وطبقا لسبب النّزول هذا تكون الآية مكيّة ، لكن يبدو أنّ سبب النّزول هذا يتعلّق بالآية (٨٥) من سورة القصص ، وقد ذكره كثير من المفسّرين هناك ، فهو ينسجم مع تلك الآية أكثر ، إذ تقول : (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرادُّكَ إِلى مَعادٍ) (٢).
والملفت للنظر أنّ الآية نسبت الإخراج إلى نفس مكّة ، في حين أنّ المراد أهلها ، وهذه كناية لطيفة عن تسلّط فئة معيّنة ، على مقدرات المدينة ، وقد ورد نظير ذلك في مواضع أخرى من القرآن المجيد.
ثمّ إنّ التعبير بالقرية ـ وكما قلنا ذلك مرارا ـ يطلق على كلّ مدينة وأرض عامرة مسكونة ، ولا يخص المعنى المتعارف للقرية.
وتطرح آخر الآيات ـ مورد البحث ـ مقارنة أخرى بين المؤمنين والكفار ... بين فئتين تختلفان في كلّ شيء ، فإحداهما مؤمنة تعمل الصالحات ، وتحيا الاخرى حياة حيوانية بكلّ معنى الكلمة .. بين فريقين ، أحدهما مستظل بظل ولاية الله سبحانه ، والآخر لا مولى له ولا ناصر ، فتقول : (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ)؟
إنّ الفريق الأوّل قد اختاروا طريقهم عن معرفة صحيحة ، ورؤية واقعية ، وعن يقين ودليل وبرهان قطعي ، وهم يرون طريقهم وهدفهم بوضوح ، ويسيرون نحوه بسرعة.
أمّا الفريق الثّاني فقد ابتلوا بسوء التشخيص ، وعدم إدراك الواقع ، وظلمة المسير والهدف ، فهم في ظلمات الأوهام حائرون. والعامل الأساس في هذه الحيرة والضلالة هو اتباع الهوى والشهوات ، لأنّ الهوى والشهوات تلقي الحجب
__________________
(١) تفسير القرطبي ، المجلد ٩ ، صفحة ٦٠٥٥.
(٢) لمزيد من التفصيل حول هذا المطلب يراجع تفسير الآية (٨٥) من سورة القصص.