على عقل الإنسان وفكره ، فتصوّر له القبيح حسنا ، كما نرى أناسا يفخرون بأعمالهم التي يندى لها الجبين ، وهي وصمة عار في جباههم ، كما جاء ذلك في الآية (١٠٣) من سورة الكهف : (قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً).
«البينة» تعني الدليل الواضح الجلي ، وهي هنا إشارة إلى القرآن ، ومعاجز الرّسول الأعظم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، والدلائل العقلية الأخرى.
ومن الواضح أنّ الاستفهام في جملة : (أَفَمَنْ كانَ ...) استفهام إنكاري ، أي إنّ هذين الفريقين لا يتساويان أبدا.
ولكن من الذي يزيّن أعمال السوء في أنظار عبدة الهوى ومتبعيه؟ أهو الله سبحانه ، أم هم أنفسهم ، أم الشياطين؟
ينبغي أن يقال : إنّها تصح جميعا ، لأنّ التزيين نسب إلى الثلاثة في آيات القرآن ، فتقول الآية (٤) من سورة النمل : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ زَيَّنَّا لَهُمْ أَعْمالَهُمْ).
وجاء في آيات عديدة أخرى ، ومن جملتها الآية (٣٨) من سورة العنكبوت ، التي تقول : (وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ).
وظاهر الآية مورد البحث ، وبملاحظة الجملة : (وَاتَّبَعُوا أَهْواءَهُمْ) أنّ هذا التزيين ناشئ عن اتباع الهوى ، وقضية كون الهوى والشهوات تسلب الإنسان القدرة على الحس والتشخيص والإدراك الصحيح للحقائق ، قضية يمكن إدراكها بوضوح.
إنّ نسبة التزيين إلى الشيطان ـ طبعا ـ صحيحة أيضا ، لأنّه هو الذي ينصب المكائد ويوسوس للإنسان أن يلجها ، ويزيّن له اتباع الهوى.
وأمّا نسبته إلى الله سبحانه فلأنّه مسبب الأسباب ، وإليه يرجع كلّ سبب ، فهو الذي أعطى النّار الأحراق ، ومنح الهوى قدرة تغطية الحقائق وإلقاء الحجب عليها