إنّ الإنسان لا يستطيع عادة أن يكتم ما ينطوي عليه ضميره لمدة طويلة دون أن يظهر ذلك في كنايات كلامه وإشاراته ولحنه ، ولذلك نقرأ في حديث عن أمير المؤمنين علي عليهالسلام : «ما أضمر أحد شيئا إلّا ظهر في فلتات لسانه ، وصفحات وجهه» (١).
وقد ذكرت آيات القرآن الأخرى كلمات المنافقين الجارحة ، والتي هي مصداق للحن القول هذا ، أو حركاتهم المشبوهة ، ولعلّه لهذا السبب قال بعض المفسّرين : إنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم كان يعرف المنافقين جيدا ، من خلال علاماتهم ، بعد نزول هذه الآية.
والشاهد على هذا الكلام هو أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم أمر بأن لا يصلّي على من مات منهم ولا يقوم على قبره داعيا الله له : (وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ) (٢).
لقد كان الجهاد بالذات من المواقف التي كان المنافقون يعكسون فيها ما يعيشونه في داخلهم ، وقد أشارت آيات كثيرة في القرآن الكريم ، وخاصّة في سورة التوبة والأحزاب إلى وضع هؤلاء قبل الحرب حين جمع المساعدات وإعداد العدّة للحرب ، وفي أثناء الحرب في ساحتها إذا اشتد هجوم العدو واستعرت حملته ، وبعد الحرب عند تقسيم الغنائم ، حتى وصل الأمر بالمنافقين إلى أن يعرفهم حتى المسلمون العاديّون في هذه المشاهد والمواقف.
واليوم أيضا لا تصعب معرفة المنافقين من لحن قولهم ومواقفهم المضادة في المسائل الاجتماعية المهمة ، وخاصة عند الاضطرابات أو الحروب ، ويمكن التعرف عليهم بأدنى دقة في أقوالهم وأفعالهم ، وما أروع أن يعي المسلمون أمرهم ويستيقظوا ويستلهموا من هذه الآية تعليماتها ليعرفوا هذه الفئة الحاقدة الخطرة
__________________
(١) نهج البلاغة ، الكلمات القصار ، الجملة ٢٦.
(٢) التوبة ، الآية ٨٤.