وجملة «استوى على سوقه» مفهومها أنّ هذا الزرع بلغ قدرا من المتانة بحيث ثبت على سيقانه : و «سوق» جمع ساق ـ والتعبير بـ «يعجب الزرّاع» يعني أنّ هذا الزرع يكون سريع النمو كثير البراعم وافر النتاج إلى درجة يسرّ به الزراع ويعجبون منه ، والطريف أنّ وصفهم الثّاني في الإنجيل جاء على خمسة أمور أيضا هي :
١ ـ أخراج الشطأ. ٢ ـ والمؤازرة للنموّ. ٣ ـ والاستغلاظ. ٤ ـ والإستواء.
٥ ـ والنمو المعجب.
وفي الحقيقة إنّ أوصافهم المذكورة في «التوراة» تتحدّث عن أبعاد وجودهم من جهة العواطف والأهداف والأعمال وصورتهم الظاهرية ...
وأمّا الأوصاف الواردة في «الإنجيل» فهي تتحدّث عن حركتهم ونموّهم وتكاملهم في جوانب مختلفة (فلاحظوا بدقة).
أجل هم أناس متّصفون بصفات عليا لا يفترون عن الحركة لحظة واحدة ... وتتنامى براعمهم دائما ويثمرون ويتآزرون كلّ حين ... وينشرون الإسلام بأقوالهم وأعمالهم في العالم ويوما بعد يوم يزداد عددهم في المجتمع الإسلامي! ...
أجل ، إنّهم لا يتكاسلون في حركتهم المتّجهة إلى الإمام دائما ، وهم في حال عبادتهم مجاهدون ، وفي حال جهادهم عابدون ظاهرهم سوي ، وباطنهم سليم ، وعواطفهم صادقة ، ونيّاتهم خالصة ، وهم مظهر غضب الله بوجه أعداء الحق ، ومظهر الرحمة بوجه إخوانهم.
ثمّ تضيف الآية معقّبة : أنّ هذه الأوصاف العليا وهذا النمو والتكامل السريع وهذه الحركة المباركة بقدر ما تعجب المحبّين وتسرّهم فهي في الوقت ذاته : (لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ) (١).
__________________
(١) يرى كثير من المفسّرين أنّ اللام في جملة «ليغيظ بهم الكفّار» هي لام التعليل ، فيكون مفهوم الجملة : إنّ هذه القوّة والقدرة جعلها الله نصيب أصحاب محمّد ليغيظ بهم الكفّار ..