المتناقضة ، فلا عجب من أن يسمّوه ساحرا أوّلا ، ثمّ يلجؤون إليه لرفع البلاء ، وأخيرا يعدونه بالاهتداء.
بناء على هذا فيجب الحفاظ على ظاهر تعبيرات الآية والوقوف عندها ، إذ لا تبدو هناك حاجة إلى توجيهات وتفاسير أخرى.
وعلى أية حال ، فيظهر من أسلوب الآية أنّهم كانوا يعدون موسى عليهالسلام وعودا كاذبة في نفس الوقت الذي هم بأمس الحاجة إليه ، وحتى في حال المسكنة وعرض الحاجة لم يتخلوا عن غرورهم ، ولذلك عبروا في طلبهم من موسى بـ (رَبَّكَ) و (بِما عَهِدَ عِنْدَكَ) ولم يقولوا : ربّنا ، وما وعدنا ، أبدا. مع أن موسى قال لهم بصراحة : إنّ رسول ربّ العالمين ، لا رسول ربّي.
أجل ، إن ضعاف العقول والمغرورين إذا ما تربعوا على عرش الحكم ، فسيكون هذا منطقهم وعرفهم وأسلوبهم.
إلّا أن موسى رغم كل هذه التعبيرات اللاذعة والمحقرة لم يكفّ عن السعي لهدايتهم مطلقا ، ولم ييأس بسبب عنادهم وتعصبهم ، بل استمرّ في طريقه ، ودعا ربّه مرات كي تهدأ عواصف البلاء ، وهدأت ، لكنّهم كما تقول الآية التالية : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ).
كل هذه دروس حيّة وبليغة للمسلمين ، وتسلية للنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لكي لا ينثوا مطلقا أمام عناد المخالفين وتصلبهم ، ولا يدعوا اليأس يخيم على أرواحهم وأنفسهم ، بل ينبغي أن يشقوا طريقهم بكل ثبات ورجولة وحزم ، كما ثبت موسى عليهالسلام وبنو إسرائيل على مواقفهم ، واستمرّوا في طريقهم حتى انتصروا على الفراعنة.
وهي أيضا تحذير للأعداء اللجوجين المعاندين ، بأنهم ليسوا أقوى من فرعون وآل فرعون ولا أشد ، فلينظروا عاقبة أمر أولئك ، وليتفكروا في عاقبتهم.
* * *