القناديل (١). وكان يوما مشهودا ، ظهر فيه عز الإسلام ، وعلت كلمة الإيمان ، وبطلت نغمات القسوس (٢) والرهبان ، وعلت أصوات أهل الإيمان (٣) بالقرآن ، وخرس الناقوس وسمع الأذان ، وعزل الإنجيل ، وتولى القرآن ، وبطل ما كان بالمسجد الأقصى من الشرك (٤) والطغيان ، وعبد فيه الملك الديان.
وقد تقدم أن من الاتفاقات العجيبة أن محي الدين بن الزكي (٥) ، قاضي دمشق ، لما فتح السلطان صلاح الدين حلب في صفر سنة ٥٧٩ ه (٦) ، مدحه بقصيدة فيها :
وفتحكم حلبا بالسيف في صفر |
|
مبشر بفتوح القدس في رجب |
فكان كما قال ، وفتح القدس في رجب ـ كما تقدم ـ فقيل لمحيي الدين : من أين لك هذا؟ فقال : أخذته من تفسير ابن برجان في قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) (٣) (٧).
وكان الإمام أبو الحكم بن برجان الأندلسي (٨) قد صنف تفسيره المذكور في سنة ٥٢٠ ه (٩) ، وبيت المقدس حين ذلك (١٠) في يد الفرنج ، لعنهم الله تعالى.
قال ابن خلكان في تاريخه (١١) ـ في ترجمة ابن الزكي ـ : ولما وقفت أنا على هذا البيت وهذه الحكاية لم أزل أطلب تفسير ابن برجان حتى وجدته على هذه الصورة ، قال : ولكن رأيت هذا الفصل مكتوبا في الحاشية (١٢) غير الأصل ولا أدري هل كان من أصل الكتاب أم هو ملحق. وذكر له حسابا طويلا وطريقا في استخراج ذلك حتى حرره من قوله تعالى : (فِي بِضْعِ سِنِينَ) انتهى.
__________________
(١) ينظر : أبو شامة ، الروضتين ٢ / ١١٣.
(٢) القسوس أ ج ه : القسس ب : ـ د.
(٣) أهل الإيمان أ : أهل التوحيد ب ج هت : ـ د.
(٤) من الشرك أ ج ه : من الكفر ب : ـ د.
(٥) ابن الزكي أ ج ه : زكي ب : ـ د.
(٦) ٥٧٩ ه / ١١٨٣ م.
(٧) الروم : [١ ـ ٣].
(٨) ابن برجان : أبو الحكم عبد السلام بن عبد الرحمن بن محمد اللخمي ، كان عبدا صالحا وله تفسير القرآن العظيم ، وتوفي سنة ٥٣٦ ه / ١١٤١ م. ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٣٦ ـ ٢٣٧ ؛ البغدادي ، هدية ٥ / ٤٦٠.
(٩) ٥٢٠ ه / ١١٢٦ م.
(١٠) حين ذلك أ : إذ ذاك ب ج ه : ـ د.
(١١) ينظر : ابن خلكان ٤ / ٢٣٠.
(١٢) في الحاشية أ : على الحاشية ب ج ه : ـ د.