العلم ، فليس كل عالم عامل ، وهكذا يوجد فرق بين من يعرف الحقائق الروحية والنفسية وبين من يربي نفسه عليها ، فاغلب الناس عالمون غير عاملين ، وقليل من العاملين يربّون أنفسهم على الأخلاق الفاضلة.
فقد تعرف الشكر خلال لحظات وتعرف حقيقته ، ولكن إذا أردت ان تحوّل هذه الحقيقة الى سلوك فتكون من الشاكرين فان ذلك ليس بالأمر الهيّن ، والمسافة بينهما مقدار الارادة.
معرفة الذات منطلق الشكر :
ان الشكر عند الإنسان يتجسد تبعا لأحد موقفين من الطبيعة حوله :
الاول : ان يعتقد بأنه موجود متكامل بالأصل ، وانه يملك بذاته الجوارح ، والجوانح ، والعقل ، والعلم ، والسعادة ، والرقي ، فليس بحاجة الى ان يشكر أحدا.
الثاني : ان يعتقد بأنه كان قطرة من ماء مهين فصار إنسانا ، ثم أعطاه الله الجوارح والنعم وهي ليست ملكا ذاتيا له ، وانما وهبها الله له فتنة ، فان شكره عليها زاده منها ، وان كفر فانه سيعذبه عذابا شديدا ، يقول تعالى (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذابِي لَشَدِيدٌ) (٧ / إبراهيم)
وهكذا فان كل نعمة تستحق الشكر الجزيل والثناء الجميل ، فبالعين ترى الأشياء ، وبالاذن تسمع ، والقلب ينبض بانتظام لتبقى حيا بإذن الله ، وما على الإنسان الا ان يستفيد من كل ما قدّره الله له ، فلا يعمل الا صالحا ، ولا ينظر الى ما حرمه الله ، ولا يسمع الا الكلام الطيب. وهذا هو معنى الشكر.
الكثير من الناس بدل ان تكون النعم عاملا يؤكد فيهم صفة الشكر ، والتواضع للذي منّ عليهم بها وهو الله ، بدل ذلك يتكبرون لأنهم يشعرون بالكمال ، فيقدسون