يربط القرآن الحكيم في هذا السياق بين الإسراف وهلاك القرى ، ولكن بماذا امر الله المترفين؟
المأمور به هنا محذوف وهو معطوف على قوله تعالى : (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) فالله سبحانه وتعالى يأمر الناس بالهدى والخير والتقوى ، ولكنهم حين لا يعملون بها بل يفسقون عنها ، ويحاربون الله ورسوله ، فما ذا يحدث آنئذ؟
(فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً)
اي تحققت عليهم المسؤولية وأصبحت لله الحجة البالغة عليهم ، فدمرهم بسبب تركهم لها تدميرا ، ولعل الآية تشير الى حقيقة تاريخية هامة هي : ان الله سبحانه يبعث الرسل عادة على القرى التي ينتشر فيها الفساد. ويتسلط عليها المترفون ، وذلك لكي يرتدعوا ، ولا يستمروا في رحلة الفناء حتى النهاية ، وعادة لا يتوبون فيحق عليهم العذاب ، وربما تشير الآية أيضا الى الدورات الحضارية في التاريخ.
[١٧] (وَكَمْ أَهْلَكْنا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبادِهِ خَبِيراً بَصِيراً)
فاذا قلنا باننا لسنا من قوم نوح ، أو قوم عاد ، أو ثمود ، فان الله يؤكد لنا بأنه سبحانه اعلم بذنوبنا منا ، وليست المسألة محصورة في عنصر ما ، بل هي سنة الله في الخلق.
[١٨] قد جاء في الآية (١٢) من هذه السورة المباركة : (وَيَدْعُ الْإِنْسانُ بِالشَّرِّ دُعاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكانَ الْإِنْسانُ عَجُولاً) وهذه الآية تكلّمنا وتقول :
(مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ)