وليس معنى هذه الآية ان الله يظلم من لا يؤتى كتابه بيمينه ، بل الله عادل ولو يؤاخذ الناس بعدله لما نجى أحد من البشر ، ولكن الله سبحانه لا يتعامل مع الناس الا بفضله ، وقد ورد في الدعاء : «الهي عاملنا بفضلك ، ولا تؤاخذنا بعدلك ، فانه لا طاقة لنا بعدلك ، ولا نجاة لنا دون فضلك» والله سبحانه لا يظلم الناس ، ولكن الناس أنفسهم يظلمون ، فاذا عاقبهم الله في الآخرة فانما يعاملهم لقاء ظلمهم لأنفسهم.
[٧٢] (وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمى وَأَضَلُّ سَبِيلاً)
غيّر الله سبحانه مسار الحديث ، فبدل ان يقول مثلا : «(وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ) ..» قال : «(وَمَنْ كانَ فِي هذِهِ أَعْمى) ..» ولو انه قال مثل ذلك لما وضحت صفتهم الرئيسية ، وعلى كل حال فان هناك صفة مميزة جعلت بعض الناس أصحاب يمين والبعض الآخر أصحاب شمال ، وان ذكر هذه الصفة في أحدهما يعني وجود عكسها في الآخر ، فصفة أصحاب الشمال العمى ، فاذا تكون صفة أصحاب اليمين الأبصار ، ولعل العمى في القرآن يرادف اللاوعي.
ان الوعي في الحياة الدنيا هو ضمان السلامة في الآخرة ، لان الواعي لا يعمل الا وفق تقدير وحكمة ، فلذلك تقل نسبة اخطائه ومعاصيه ، ومن لا يمتلك وعيا في الحياة الدنيا يحجزه عن المعاصي فهو في الآخرة أعمى عن النظر الى رحمة الله ، وكلمة «أضل» اسم تفضيل على وزن افعل اي أشد ضلالا.
ان الله وفر الفرصة للإنسان للهداية ، فان هو لم يتقبلها ، وكفر بالله ، وتغافل عن دواعي الهداية في نفسه ، فانه لن يكون أقل عميا في الآخرة عما هو عليه في الدنيا ، بل هو أضل سبيلا ، ذلك لان «الجزاء من جنس العمل» فمن اطفأ شعلة