وهكذا الحديث عن الدنيا يستتبع العلم والهدى ، لان هدى الإنسان ومعرفته للحقائق معرفة عميقة وشاملة يدعوه الى أن يتخذ موقفا سليما من زينة الحياة الدنيا ، وليس موقف الغرور والتسليم المطلق.
وفي قصة موسى (ع) مع ذلك العبد الصالح الذي جاء في الأحاديث أنه الخضر (ع) يكتشف لنا جانب من هذه الحقيقة.
فموسى (ع) كان نبيا ، وكان عارفا بالأحكام الشرعية الظاهرة ، الا أنه بحث عمن هو أعلم منه ليتعلم منه الخلفيات ، أو حكم الأحكام العامة والخاصة.
وخلال تلقيه الدروس كان ينتفض أمام بعض الحوادث التي يراها ولا يتحملها ، فعند ما ركبا في السفينة أخذ الخضر معولا وثقب به جدارها ، فاذا بالماء يتدفق الى داخلها ، وعند ما صادفا شابا في طريقهما حمل عليه الخضر فقتله ، وفي نهاية المطاف وصلا الى بلدة وجد فيها الخضر بناء متداعيا ، فبذل مجهودا كبيرا في ترميمه ، ولم يطلب مقابل ذلك من القوم أجرا برغم ما بدر منهم من سوء استقبال واعراض عن الضيافة ، وكان وقع هذه الحوادث على موسى من الشدة بحيث كان الزمام يفلت منه كل مرة ، وينسى شرط الصبر الذي التزم به.
أن انتفاضة موسى امام الأعمال التي قام بها ذلك العبد الصالح ، لدليل على ان الإنسان لا يحتمل مجرد احتمال ان وراء علمه هذا مساحات مجهولة أخرى لم يبلغها ولم يتوصل إليها ، ان مجرد هذا الاحتمال يجعل الإنسان رزينا ، حليما ، هادئا ، لا يتأثر بالمظاهر فقط ، وانما ينظر الى العمق أيضا.
بينات من الآيات :
بين العلم والرحمة :
[٦٥] (فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادِنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَعَلَّمْناهُ